للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعث إلى قحطبةَ مددًا نحَو عشرةِ آلاف فارس، عليهم على بنُ مَعْقِل، فاقتتلوا، فقتلوا من أصحابِ نصرٍ خلقًا كثيرًا، وقتلوا تميمَ بنَ نَصْر، وغَنِموا أموالًا جَزِيلة جدًّا، ثم إنَّ يزيدَ بنَ عمر بنِ هُبيرةَ نائبَ مروانَ على العراق، بعث بسَريَّةٍ مددًا لنصرِ بنِ سيَّار، فالتقى معهم قحطبةُ في مُستهَلِّ ذي الحِجَّة، وذلك يوم الجُمعة، فقام قحطبةُ في الناس خطيبًا، فحثَّهم على الجهادِ والقتال، وذكَّرهم، وأمرهم بالمصابَرَة، ووعدَهم عن الإمام أنهم يُنصَرون في هذا اليوم، فاقتتلوا قتالًا شديدًا، فانهزم جندُ بني أمية، وقُتل من أهل الشام وغيرِهم عشرةُ آلاف، منهم أميرُ المدد نُبَاتَةُ بن حنظلة عاملُ جُرْجان ورساتيقها لابن هُبيرة، فبعث قحطبةُ برأسِهِ إلى أبي مسلم.

ذكرُ دخولِ أبي حمزةَ الخارجي المدينةَ النبويَّةَ واستيلائِهِ عليها مدة ثلاثة أشهر حتى ارتحل منها

قال ابنُ جرير (١): وفي هذه السنةِ كانت وقعةٌ بقُدَيد من أرض الحجاز، بين أبي حمزةَ الخارجي الذي كان عامَ أول في أيامِ الموسم، فقتل من أهلِ المدينة من قريش وغيرهم خلقًا كثيرًا، ثم دخل المدينةَ وهرَبَ نائبُها عبدُ الواحد بنُ سليمان، فقتل الخارجيُّ من أهلِها خلقًا، وذلك لتسعَ عشرةَ ليلةً خلَتْ من صفرَ من هذه السنة، ثم خطبَ على مِنبرِ رسولِ الله ، فوبَّخَ أهلَ المدينة وأنَّبَهمْ، وكان فيما وبَّخهمْ به أنْ قال: يا أهل المدينة، إني مررتُ بكمْ أيامَ الأحول - يعني هشامَ بنَ عبدِ الملك - وقد أصابَتْكُمْ عاهةٌ في ثمارِكم فكتبتُمْ إليه تسألونَهُ أنْ يضَعَ الخَرْص (٢) عن ثمارِكم فوضعه، فزاد غَنِيَّكم غِنىً، وزاد فقيرَكم فقرًا، فكتبتم إليه: جزاكَ الله خيرًا، فلا جَزَاهُ الله خيرًا. في كلام طويل. فأقام عندَهم ثلاثةَ أشهر بقيةَ صفر وشهرَيْ ربيع، وبعض جُمَادَى الأولى فيما قال الواقدي وغيرُه (٣).

وقد روى المدائني، أنَّ أبا حمزةَ رَقِي يومًا منبرَ رسولِ الله فحمد الله ثم أثنى عليه، ثم قال: تعلمون يا أهل المدينة أنَّا لم نخرُجْ من ديارِنا وأبنائنا بطَرًا ولا أشَرًا، ولا عبثًا، ولا لِدَوْلةِ مَلِكٍ نُريد أن


(١) هو الطبري في تاريخه (٤/ ٣٢٨).
(٢) الخَرْصُ: حَزْرُ ما على النَّخْل من الرُّطَب تمرًا، وقد خَرَصْت النخلَ والكرْمَ أخْرُصُه خَرْصًا، إذا حَزَرَ ما عليها من الرُّطب تمرًا، ومن العِنَبِ زبيبًا، وهو مَن الظنّ لأن الحَزْر إنما هو تقديرٌ بظَنٍ، وخرَصَ العدَدَ يَخْرُصُه ويَخْرِصُه خَرْصًا وخِرْصًا: حَزَرَه، وقيل: الخَرْصُ المصدرُ والخِرْصُ، بالكسر، الاسمُ. يقال: كم خِرْصُ أرْضِك وكم خِرْصُ نَخْلِكَ؟ بكسر الخاء، وفاعلُ ذلك الخارِصُ، وكان النبيّ يبعَث الخُرَّاص على نَخِيل خَيْبَر عند إدْراك ثَمرِها، فَيحزِروُنه رُطبًا كذا وتَمرًا كذا، ثم يأخذهم بمَكِيلة ذلك من التمر الذي يجب له وللمساكين. لسان العرب (خرص).
(٣) انظر قول الواقدي في تاريخ الطبري (٤/ ٣٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>