للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للصدّيقين أن لا يناموا (١) لما في قلوبهم من نعيم المحبّة لله ﷿. ثمّ قال: كم بين النعيمين وكم بينهما (٢)؟.

وذكروا أنّه كان كثير البكاء حتى أثر البكاء في خدّيه من كثرة دموعه (٣).

بيان سبب قتل يحيى (٤)

وذكروا في قتله أسبابًا، من أشهرها أن بعض ملوك ذلك الزمان بدمشق كان يريد أن يتزوّج ببعض محارمه أو من لا يحلّ له تزويجها، فنهاه يحيى عن ذلك، فبقي في نفسها منه. فلما كان بينها وبين الملك ما يحب منها استوهبت منه دم يحيى، فوهبه لها، فبعث إليه من قتله وجاء (٥) برأسه ودمه في طست إلى عندها. فيقال: إنها هَلَكت من فورها وساعتها (٦).

وقيل: بل أحبته امرأة ذلك الملك وراسلته فأبى عليها، فلما يئست منه تحيلت في أن استوهبته من الملك، فتمنع عليها الملك، ثمّ أجابها إلى ذلك فبعثت من قتله وأحضر إليها رأسه ودمه في طست.

وقد ورد معناه في حديث رواه إسحاق بن بشر في كتابه "المبتدا" (٧) حيث قال: أخبرنا يعقوب الكوفي، عن عمرو بن ميمون، عن أبيه عن ابن عباس أن رسول اللّه ليلة أسري به رأى زكريا في السماء، فسلَّم عليه وقال له: يا أبا يحيى خبّرني عن قتلك كيف كانَ، ولمَ قتلك (٨) بنو إسرائيل. قال: يا محمد أخبرك أن يحيى كان خير أهل زمانه، وكان أجملهم وأصبحهم وجهًا، وكان كما قال الله تعالى ﴿وَسَيِّدًا وَحَصُورًا﴾، وكان لا يحتاج إلى النساء، فهويته امرأة ملك بني إسرائيل، وكانت بَغيّةً، فأرسلت إليه وعَصَمَهُ اللّه وامتنع يحيى وأبى عليها، وأجمعت على قتل يحيى. ولهم عيد يجتمعون في كل عام، وكانت سُنَّة الملك أن يوعد ولا يخلف ولا يكذب. قال: فخرج الملك إلى العيد، فقامت امرأته فشيَّعته، وكان بها معجبًا، ولم تكن تفعله فيما مضى، فلما أن شيعته قال الملك: سليني فما سألتِني شيئًا إلا أعطيتُك. قالت: أريدُ دمَ يحيى بن زكريا، قال لها: سليني غيره. قالت: هو ذاك. فال: هو


(١) في بعض النسخ لا ينامون.
(٢) كتب على حاشية الأصل: لعله: بيننا.
(٣) مختصر ابن منظور (٩/ ٤٩).
(٤) ليس هذا العنوان في بعض النسخ.
(٥) في ب: وجاؤوا.
(٦) الخبر في تاريخ الطبري (١/ ٥٨٧).
(٧) ذكر هذا الكتاب صاحب كشف الظنون (١٥٧٩)، والخبر نقله ابن عساكر. مختصر ابن منظور (٩/ ٥٠ - ٥١).
(٨) كذا في الأصول. وفي حاشية ب: لعله: قتل ولدك .. ولم قتله. وواضح أن قصة قتل زكريا بدأت مع بداية قصة قتل يحيى. فالعبارة في المتن صحيحة.