للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان أديبًا، طبيبًا، شاعرًا، فصيحًا، له في الطب والمنطق اليد العالية. وكان من بيت وزارة ورياسة، ووجاهة ومال وثروة، وكان مصاحبًا للشيخ أبي عمرو بن عبد البَرّ النمري، ومناوئًا للشيخ أبي الوليد سُليمان بن خَلَف الباجي، وقد جرت بينهما مناظرات يطول شرحها. وكان أبو محمد بن حزم كثير الوقيعة في العلماء الذين يخالفون الأحاديث الصحيحة بلسانه وقلمه أيضًا، فأورثه ذلك حقدًا في قلوب أهل زمانه، فما زالوا به حتى بغّضوه إلى ملوكهم، فطردوه عن بلاده، حتى كانت وفاته في قرية له في ثاني شعبان من هذه السنة، وقد جاوز السبعين (١)، والعجب كلّ العجب أنه كان ظاهريًا [حائرًا] في الفروع، لا يقول بشيء من الأقيسة لا الجليّة ولا غيرها، [وهذا الذي وضعه عند العلماء، وأدخل عليه خطأ كبيرًا في نظره وتصرّفه]، وكان مع هذا من أشدّ الناس تاويلًا في باب الأصول [وآيات الصفات، وأحاديث الصفات]، لأنّه كان قد تضلّع أولًا من علم المنطق، أخذه عن محمد بن الحسن المَذْحِجي الكتاني القرطبي، ذكره ابن ماكولا وابن خلِّكان [ففسد بذلك حاله في باب الصفات]، رحمه اللَّه تعالى.

عبد الواحد بن علي بن بَرْهان [بن] علي بن هانئ أبو القاسم النحويّ (٢).

كان شرس الأخلاق جدًا، ولم يلبس سراويل قط، ولا غطّى رأسه، ولم يقبل عطاء لأحد، وذُكر عنه: أنَّه كان يقبّل المرد في غير ريبة.

قال ابن عقيل: وكان يختار مذهب مرجئة المعتزلة، وينفي خلود الكفار [في النار] ويقول: دوام العقاب في حقّ من لا يجوز عليه التشفي لا وجه له مع ما وصف اللَّه به نفسه من الرحمة، ويتأوّل قوله تعالى: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ [النساء: ١٦٩] أيّ أبدًا من الآباد.

قال ابن الجوزي (٣): وقد كان ابن بَرْهان يقدح في أصحاب أحمد، ويخالف اعتقاده اعتقاد المسلمين، لأنّه قد خالف الإجماع في عدم خلود الكفار، فكيف يُقبل كلامه، توفي هذا العام وقد نيف على الثمانين.

[ثم دخلت سنة سبع وخمسين وأربعمئة]

فيها: سار جماعة [من العراق] للحج بخفارة، فلم يمكنهم المسير، فعدلوا إلى الكوفة، ورجعوا.


(١) في (ط): التسعين. خطأ.
(٢) تاريخ بغداد (١١/ ١٧)، المنتظم (٨/ ٢٣٦)، الكامل في التاريخ (١٠/ ٤٢)، سير أعلام النبلاء (١٨/ ١٢٤)، الجواهر المضية (٢/ ٤٨١)، النجوم الزاهرة (٥/ ٧٥)، شذرات الذهب (٣/ ٢٩٧).
(٣) المنتظم (٨/ ٢٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>