للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد عَلَّلَه الخطيبُ من جميعِ طُرقه (١)، وساقه أيضًا من طريقِ عمَّار بن سيف، عن الثوري، عن أبي عُبيدةَ حُميد الطويل، عن أنس بن مالك؛ ولا يَصِحُّ أيضًا. ومن طريقِ عمر بن يحيى، عن سفيان، عن قيس بن مسلم، عن رِبْعِيّ، عن حُذيفة مرفوعًا بنحوِهِ ولا يَصِحّ. ومن غيرِ وَجْهٍ عن علي بنِ أبي طالب، وابنِ مسعود، وثَوْبان، وابنِ عباس، وفي بعضها ذكرَ السفياني، وأنَّه يُخرِّبُها.

ولا يَصِحُّ إسنادُ شيءٍ من هذه الأحاديث، وقد أوردها الخطيبُ بأسانيدِها وألفاظِها؛ وفي كلٍّ منها نَكَارَة؛ وأقربُ ما فيها عن كعبِ الأحبار، وقد جاء في آثارٍ عن كتبٍ متقدِّمة أنَّ بانِيها يُقال له مِقْلاص، وذو الدَّوَانيق. وقد كان المنصور يُلقَّب بمِقلاص في صِغَرِه، ولما وُلِّي لُقِّب بذي الدَّوانيق لِبُخْلِهِ.

[فصل محاسن بغداد ومساوئها وما روي في ذلك عن الأئمة]

قال يونس بن عبد الأعلى الصَّدَفي: قال لي الشافعي: هل رأيتَ بغداد؟ قلت: لا. فقال: ما رأيتَ الدنيا. وقال الشافعي: ما دخلتُ بلدًا قطُ إلَّا عدَدْتُهُ سفرًا إلَّا بغداد، فإنِّي حين دخلتُها عدَدْتها وطنًّا (٢).

وقال بعضُهم: الدنيا بادية، وبغدادُ حاضِرَتُها.

وقال ابنُ عُلَيَّة: ما رأيتُ أعقلَ في طلَبِ الحديث من أهل بغداد، ولا أحسَنَ دَعةً منهم.

وقال ابنُ مجاهد: رأيتُ أبا عمرو بنَ العلاء في النوم فقلت: ما فعل اللّه بك؟ فقال: دَعْني من هذا، من أقامَ ببغدادَ على السُّنَّةِ والجماعة ومات، نُقل من الجنَّةِ إلى الجنَّة (٣).

وقال أبو بكر بن عياش: الإسلامُ ببغداد، وإنَّها لَصَيَّاد، تَصيدُ الرجال، ومن لم يرَها لم يرَ الدنيا.

وقال أبو معاوية: بغدادُ دارُ الدنيا والآخرة.

وقال بعضُهم: من محاسنِ الإسلام يومُ الجمعةِ ببغداد، وصلاةُ يومِ الجمعة ببغداد، وصلاةُ التراويح بمكة، ويومُ العيد بطرَسُوس.

قال الخطيب (٤): منْ شهد يومَ الجُمعة بمدينةِ السلام عَظَّمَ اللّه في قلبه محلَّ الإسلام، لأنَّ مشايخَنَا كانوا يقولون: يوم الجمعة ببغداد كيومِ العيدِ في غيرِها من البلاد.


(١) انظر تاريخ بغداد (١/ ٣٣، ٣٤).
(٢) في تاريخ بغداد (١/ ٤٦).
(٣) في تاريخ بغداد (١/ ٤٦).
(٤) في تاريخ بغداد (١/ ٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>