يموت بسببها جميع الموجودين من أهل السماوات والأرض، من الإنس، والجِنّ، والملائكة، إلّا مَنْ شاء اللَّه، فقيل: هم حَمَلةُ العرش، وجبريل وميكائيل وإسرافيل وملَك الموت، وقيل: هم الشهداء، وقيل غير ذلك.
قال تعالى: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (٦٨)﴾ [الزمر: ٦٨]، وقال تعالى: ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (١٣) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (١٤) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (١٥) وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (١٦) وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (١٧) يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ (١٨)﴾ [الحاقة: ١٣ - ١٨] وتقدّم في حديث الصُّور أنّ اللَّه تعالى يأمر إسرافيل فيقول له: انفُخْ نَفْخَةَ الصَّعْقِ، فينفُخ، فيَصْعَقُ من في السماوات والأرض إلّا من شاء اللَّهُ، فيقول اللَّه تعالى لملَك الموت، وهو أعلم بمن بَقِيَ: فمن بقي؟ فيقول: بقيتَ أنتَ الحَيّ الذي لا يموت، وبَقيَتْ حَملةُ عَرْشِك، وبقي جبريلُ وميكائيل، فيأمره اللَّه بقبض روح جبريل وميكائيل، ثم يأمره بقبض أرواح حملة العرش، ثم يأمره أن يموت، وهو آخِرُ من يموت من الخلائق.
وقد تقدم ما رواه ابنُ أبي الدُّنْيا من طريق إسماعيل بن رافع، عن محمد بن كعب، من قوله فيما بلغه، وعنه عن أبي هريرة عن النبي ﷺ أن اللَّه تعالى يقول لملَك الموت: أنتَ خَلْقٌ من خلقي، خلقتك لِمَا رأيتَ، فمُتْ، ثم لا تَحْيَا. وقال محمد بن كعب فيما بلغه: فيقول له: مُتْ مَوْتًا لا تَحيا بعده أبدًا، فيَصْرُخ عند ذلك صَرْخَةً لَوْ سَمِعَها أَهْلُ السماوات والأرض لمَاتُوا فزَعًا. قال الحافظ أبو موسى المديني: لم يُتابَع إسماعيل بن رافع على هذه اللفظة، ولم يَقُلْها أكثر الرواة.
قلت: وقد قال بعضُهم في معنى هذا: مُت موتًا لا تحيا بعده أبدًا، يعني: لا تكون بعد هذا مَلَكَ مَوْتٍ أبدًا، لأنّه لا موتَ بَعد هذا اليوم، كما ثبت في "الصحيح": "يُؤْتَى بالْمَوْتِ يَوم القِيامة في صورة كَبْشٍ أمْلَحَ، فَيُذْبَحُ بَيْنَ الجَنَّةِ والنَّارِ، ثم يقال: يا أهْل النّارِ خُلُودٌ ولَا مَوْت، ويا أَهْلَ الْجَنّة خُلُودٌ وَلَا موت"(١)، فمَلَك الموت وإن حَيِيَ بعد ذلك لا يكون مَلَكَ موْتٍ بعدَها أبدًا، واللَّه أعلم، بل ينشئه اللَّه خلقًا آخر غير ذلك كالملائكة.
وبثقدير صحة هذا اللفظ عن النبيّ ﷺ فظاهر ذلك أنه لا يَحْيا بعدَ موته أبدًا، فيكون التأويل المتقدم بعيدَ الصحة، واللَّه أعلم.