للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حديثُ أمِّ مَعبَدٍ (١) في ذلك

قد تقدم الحديث بتمامه في الهجرة من مكة إلى المدينة، حين ورد عليها رسول الله ، ومعه أبو بكر ومولاه عامر بن فهيرة، ودليلهم عبد الله بن أريقط الدِّيلي، فسألوها: هل عندها لبن أو لحم يشترونه منها؟ فلم يجدوا عندها شيئًا، وقالت: لو كان عندنا شيء ما أعوزكم القِرى، وكانوا ممحلين، فنظر إلى شاة في كِسْرِ خيمتها فقال: "ما هذه الشاةُ يا أمَّ معبد؟ " فقالت: خلَّفَها الجهد. فقال: "أتأذنين أن أحلبها؟ " فقالت: إن كان بها حلب فاحلبها، فدعا بالشاة فمسحها وذكر اسم الله .. فذكرَ الحديث في حَلْبه منها ما كفاهم أجمعين، ثم حلبها وترك عندها إناءها ملأى وكان يُربض الرهط.

فلما جاء بعلُها استنكر اللبن، وقال: من أين لك هذا يا أم معبد ولا حَلُوبة في البيت، والشاء عازب؟ فقالت: لا والله إنه مرَّ بنا رجلٌ مُبارك كان من حديثه كيت وكيت.

فقال: صفيه لي، فوالله إني لأراه صاحبَ قريش الذي تطلب.

فقالت: رأيتُ رجلًا ظاهرَ الوضاءة، حسن الخلق، مليح الوجه، لم تعبه ثُجلة، ولم تُزْرِ بهِ صُعْلة، قَسِيم وَسِيم، في عينيه دَعَجٌ، وفي أشفاره وَطَف، وفي صوته صَحَل، أحور، أكحل، أزَجُّ،


(١) حديث أم معبد رواه الحاكم وفي المستدرك (٣/ ١٠) مطولًا، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، ويستدل على صحته وصدق رواته بدلائل:
- فمنها نزول المصطفى بالخيمتين متواتر في أخبار صحيحة ذوات عدد.
- ومنها أن الذين ساقوا الحديث على وجهه أهل الخيمتين من الأعاريب الذين لا يتهمون بوضع الحديث، والزيادة والنقصان، وقد أخذوه لفظًا بعد لفظ عن أبي مَعْبد وأم معبد.
- ومنها أن له أسانيد كالأخذ باليد، أخذ الولد عن أبيه، والأب عن جده، ولا إرسال ولا وهن في الرواة.
- ومنها أن الحر بن الصباح النخعي أخذه عن أبي معبد كما أخذه ولده عنه، فأما الإسناد الذي رويناه بسياقة الحديث عن الكعبين فإنه إسناد صحيح عال للعرب الأعارب، وقد علونا في حديث الحر بن الصباح.
هكذا قال الحاكم، وقال الذهبي معقبًا: ما في هذه الطرق شيء على شرط الصحيح.
وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٦/ ٥٧) و (٨/ ٢٧٩) وقال: رواه الطبراني، وفيه عبد العزيز بن يحيى المديني، نسبه البخاري وغيره إلى الكذب، وقال الحاكم: صدوق فالعجب منه. وفيه مجاهيل.
كما أخرجه أبو نعيم في دلائل النبوة (٢٨٣ - ٢٨٧) وابن سعد في الطبقات الكبرى (١/ ٢٣٠) والبيهقي في دلائل النبوة (١/ ٢٧٦ - ٢٨٠).
والقصة مذكورة في السيرة النبوية؛ لابن هشام (٢/ ١٠٠) والروض الأنف (٢/ ٧ - ٨). وتهذيب تاريخ دمشق لابن عساكر (١/ ٣٢٦) والاستيعاب لابن عبد البر (٢/ ٧٩٦ - ٧٩٧) وتاريخ الإسلام للذهبي (٢/ ٢٢٧) وعيون الأثر (١/ ٣٠٤) والإصابة؛ لابن حجر (٤/ ٤٩٨) وسجلها حسان بن ثابت شعرًا في ديوانه (٢/ ٨٩).