للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فبكّي ولا ترعي مقالة عاذلٍ … ولا تسأَمي مِن عَبرةٍ ونحيبِ

أباك وإخوانًا له قد تتابعوا … وحقّ لهم من عيرةٍ بنصيب

وسلّى الذي قد كان في النّفس أَنَّني … قتلت من النّجّار كلّ نجيب

ومِن هاشمٍ قَرمًا كريمًا ومُصعبًا … وكان لدى الهيجاء غيرَ هَيوب

فلو أنني لم أشفِ نفسيَ منهمُ … لكانت شجًى في القلب ذاتَ نُدوب

فآبوا وفد أودى الجلابيبُ منهمُ … بهم خدَبٌ من مُعبطٍ (١) وكئيب

أصابهمُ مَن لم يكن لدمائهم … كِفاء ولا في خَطّةٍ بضريب

فأجابه حسان بن ثابتٍ (٢):

ذكرتَ القُروم الصِّيد من آل هاشمٍ … ولستَ لزُورٍ قلتَه بمصيبِ

أتعجبُ أن أقصدتَ حمزةَ منهمُ … نجيبًا وقد سمّيتَه بنجيبِ

ألم يقتلوا عَمرًا وعتبةَ وابنَه … وشيبةَ والحجّاجَ وابنَ حبيبِ

غداةَ دعا العاصي عليّا فراعه … بضربة عضبٍ بلّه بخضيبِ

[فصل]

قال ابن إسحاق (٣): ثم أنزل اللَّه نصره على المسلمين، وصدقهم وعده فحسّوهم بالسيوف حتى كشفوهم عن العسكر، وكانت الهزيمة لا شكّ فيها.

وحدّثني يحيى بن عبّاد بن عبد اللَّه بن الزّبير، عن أبيه [عبّاد]، عن عبد اللَّه بن الزّبير، عن الزبير قال: واللَّه لقد رأيتني أنظر إلى خدم هند بنت عتبة وصواحبها؛ مشمّراتٍ هوارب، ما دون أخذهنّ فليلٌ ولا كثير، إذ مالت الرُّمَاة على العسكر حين كشفنا القوم عنه، وخلّوا ظهورنا للخيل، فأُتينا من خلفنا، وصرخ صارخٌ: ألا إنّ محمدًا قد قتل. فانكفأنا وانكفأ القوم علينا بعد أن أصبنا أصحاب اللواء، حتى ما يدنو منه أحدٌ منهم. قال: فحدّثني بعض أهل العلم، أن اللواء لم يزل صريعًا حتى أخذته عمرة بنت علفمة الحارثيّة، فرفعته لقريشٍ، فلاثوا به، وكان اللواء مع صؤابٍ، غلامٍ لبني أبي طلحة، حبشيٍّ، وكان آخر من أخذه منهم، فقاتل به حتى قطعت يداه، ثم برك عليه، فأخذ اللواء بصدره وعنقه حتى قتل عليه، وهو يقول:

اللهمّ هل أعزرتُ؟ يعني اللهمّ هل أعذرتُ؟.


(١) في "السيرة النبوية": "معطب".
(٢) الأبيات في "ديوانه" (١/ ٤٤٦) و"السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٧٦).
(٣) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٧٧).