للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أبي نَضْرَة، عن أبي سعيد قال: صلَّى بنا رسول اللَّه صلاةَ العَصْرِ ذاتَ يومٍ بِنهارٍ، ثمَّ قام فَخطبنا إلى أنْ غَابَت الشمس، فلم يَدَعْ شَيْئًا مما يَكُون إلى يوم القيامة إلا حدَّثناهُ، حفِظ ذلكَ من حَفِظه، وَنسيَ ذلك من نَسِيه، فكان ممَّا قال: "يا أيها النَّاسُ؛ إنَّ الدُّنْيا خَضِرَة حُلْوة، وإنّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفكمْ فيها فناظرٌ كيفَ تَعْملونَ، فاتَّقوا الدُّنْيا وَاتَّقوا النساءَ. . . " (١). وذكر تمامها إلى أن قال: ثمَّ دَنتِ الشَّمْسُ أن تغرب فقال: "وإنَّ ما بقي من الدُّنيا فيمَا مَضَى [منها] مثلُ ما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه". وهذا هو المحفوظ. واللَّه أعلم (٢).

فَصْلٌ

قال اللَّه تعالى في كتابه العزيز: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ [الزمر: ٦٢].

فكل ما سواه تعالى مخلوق له، مرْبوب مدبَّر مكوَّن بعد أن لم يكن، محدث بعد عدمه فالعرش الذي هو سقف المخلوقات إلى ما تحت الثرى، وما بين ذلك من جمادٍ وناطق الجميعُ خَلْقهُ، وملكهُ وعَبيده، وتحت قَهْره وقُدرته، وتحت تصريفه ومشيئتة (٣) ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ [الفرقان: ٥٩]، ﴿يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ﴾ [الحديد: ٤].

فقد أجمع علماء الإسلام قاطبةً، لا يشُكّ في ذلك مسلم، أنَّ اللَّه تعالى خَلَقَ السماوات والأرضَ، وما بينهما في ستة أيام، كما دل عليه القرآن العظيم (٤) واختلفوا في هذه الأيام: أهي كأيامنا هذه؟ أو كل يوم كألف سنة مما تعدّون (٥)؟ على قولين، كما بيّنا ذلك في "التفسير" (٦)، وسنتعرض لإيراده في


(١) رواه أحمد مطولًا (٣/ ٦١) وإسناده ضعيف بطوله، ولأوله وآخره شواهد.
(٢) قوله: واللَّه أعلم؛ ليس في ب.
وأدرج بعد هذا الحديث في نسخة (ب) حديث آخر في معناه، وقال الإمام أحمد: حدَّثنا مكي بن إبراهيم، حدَّثنا هاشم -يعني ابن هاشم- عن عمر بن إبراهيم بن محمد، عن محمد بن كعب القرظي، عن المغيرة بن شعبة أنه قال: قام فينا رسول اللَّه مقامًا فأخبر بما يكون في أمته إلى يوم القيامة، وعاه من وعاه، ونسيه من نسيه، وهو في مسنده (٤/ ٢٥٤) وهو حديث صحيح بطرقه وشواهده.
(٣) كذا في ب وفي أ: خشيته.
(٤) في المطبوع: الكريم، وسقط اللفظان من ب.
(٥) قال اللَّه تعالى في كتابه العظيم: ﴿وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾ [الحج: ٤٧].
(٦) تفسير القرآن العظيم (٣/ ٢٢٠) في تفسير قوله تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ. . .﴾ [الأعراف: ٥٤].