فسألت أبي: أين كان النبيُّ ﷺ؟ قال: بغزوة تبوك بالشام، ومات معاوية بالمدينة، ورفع له سريره حتى نظر إليه وصلَّى عليه، وهذا أيضًا منكرٌ من هذا الوجه.
* * *
[قدوم رسول قيصر إلى رسول الله ﷺ بتبوك]
قال الإمام أحمد (١): حدَّثنا إسحاق بن عيسى، حدَّثنا يحيى بن سُلَيم، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن سعيد بن أبي راشدٍ قال: لقيت التَنوخيَّ رسول هرقل إلى رسول الله ﷺ بحمص، وكان جارًا لي شيخًا كبيرًا قد بلغ الفنَد أو قُرب. فقلت: ألا تخبرني عن رسالة هرقل إلى رسول الله ﷺ ورسالة رسول الله ﷺ إلى هرقل؟ فقال: بلى، قدم رسول الله ﷺ تبوك، فبعث دحية الكلبيَّ إلى هرقل، فلما جاءه كتاب رسول الله ﷺ دعا قسِّيسي الرُّوم وبطارقتها، ثم أغلق عليه وعليهم الدار، فقال: قد نزل هذا الرجل حيث رأيتم، وقد أرسل إليَّ يدعوني إلى ثلاث خصالٍ؛ يدعوني إلى أن أتَّبعه على دينه، أو على أن نعطيَه مالنا على أرضنا والأرض أرضنا، أو نلقي إليه الحرب، والله لقد عرفتم فيما تقرؤون من الكتب ليأخذنَّ [ما تحت قدميَّ] فهلمَّ فلنتّبعه على دينه أو نعطه مالنا على أرضنا. فنخروا نخرة رجلٍ واحدٍ حتى خرجوا من برانسهم، وقالوا: تدعونا إلى أن نذر النصرانية أو نكون عبيدًا لأعرابيٍّ جاء من الحجاز؟ فلما ظنَّ أنهم إن خرجوا من عنده أفسدوا عليه الروم رفَأهم ولم يكد، وقال: إنما قلت ذلك لكم لأعلم صلابتكم على أمركم. ثم دعا رجلًا من عرب تُجيب كان على نصارى العرب، قال: ادع لي رجلًا حافظًا للحديث عربيَّ اللسان أبعثه إلى هذا الرجل بجواب كتابه. فجاء بي فدفع إليَّ هرقل كتابًا، فقال: اذهب بكتابي إلى هذا الرجل، فما سمعت من حديثه فاحفظ لي منه ثلاث خصالٍ؛ انظر هل يذكر صحيفته التى كتب إليَّ بشيءٍ، وانظر إذا قرأ كتابي فهل يذكر الليل، وانظر فيظهره هل به شيءٌ يريبك. قال: فانطلقت بكتابه حتى جئت تبوك، فإذا هو جالسٌ بين ظهراني أصحابه محتبيًا على الماء، فقلت: أين صاحبكم؟ قيل: ها هو ذا. فأقبلت أمشي حتى جلست بين يديه فناولته كتابي، فوضعه في حجره ثم قال:"ممن أنت؟ " فقلت: أنا أخو تنوخ. قال:"هل لك إلى الإسلام الحنيفية ملة أبيك إبراهيم؟ " قلت: إني رسول قومٍ وعلى دين قومٍ، لا أرجع عنه حتى أرجع إليهم. فضحك وقال: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ [القصص: ٥٦] يا أخا تنوخ، إني كتبت بكتابٍ إلى كسرى فمزَّقه، واللهُ ممزِّقه وممزِّقٌ ملكه، وكتبت إلى النجاشيٍّ بصحيفةٍ فخرَّقها، واللّهُ مُخَرِّقُه، ومُخَرِّقٌ مُلكه، وكتبتَ إلى صاحبك بصحيفةٍ فأمسكها، فلن يزال الناس يجدون منه بأسًا ما دام في العيش خيرٌ". قلت:
(١) رواه أحمد في "المسند" (٣/ ٤٤١ - ٤٤٢)، وإسناده ضعيف، سعيد بن أبي راشد فيه جهالة.