للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هكذا روى البيهقيُّ هذا، وهو موقوف، وفيه غَرَابةٌ من حيث اللفظ ومن حيث المعنى، ثم المشهورُ عن عليٍّ أنَّه لما طعنَه عبدُ الرحمن بن مُلْجَم الخارجيُّ، وهو خارج لصلاة الصبح عند السُّدَّة، فبقيَ عليٌّ يومين من طعنته، وحُبس ابن مُلْجَم، وأوصى عليٌّ إلى ابنه الحسن بن عليّ كما سيأتي بيانه، وأمر أن يركبَ في الجنود، وقال له: لا يَجُرْ عليٌّ كما تَجُرِ الجاريةُ. فلما ماتَ قُتِلَ عبدُ الرحمن بن مُلْجَم قَوَدًا، وقيل: حَدًّا، والله أعلم، ثم ركبَ الحسنُ بن علي في الجنود، وسارَ إلى معاويةَ كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

ذكر إخباره بذلك، وسيادة ولده الحسن بن عليّ في تركه الأمرَ من يده، وإعطائه ذلك الأمر لمعاوية، ما كان سواه يقومُ بأعبائه

قال البخاري في دلائل النبوة (١): حدَّثنا عبد الله بن محمد، حدَّثنا يحيى بن آدم، حدَّثنا حسين الجُعْفِيّ، عن أبي موسى، عن الحسن، عن أبي بكرةَ، قال: أخرجَ النبيُّ ذاتَ يومٍ الحسنَ بنَ عليٍّ فصَعِدَ به على المنبر فقال: "إنَّ ابني هذا سَيِّدٌ: ولعلَّ الله أَنْ يُصلحَ به بين فئتين من المُسلمين".

وقال في كتاب الصلح (٢): حدَّثنا عبدُ الله بن محمد، حدَّثنا سُفيان، عن أبي موسى، قال: سمعتُ الحسنَ يقولُ: استقبلَ والله الحسنُ بن عليّ معاويةَ بن أبي سفيان بكتائبَ أمثالِ الجبال، فقال عمرو بن العاص: إنِّي لأرى كتائبَ لا تُولِّي حتى تَقْتُلَ أقرانَها، فقال له معاويةُ، - وكان والله خيرَ الرجلين -: أي عمرو! إنْ قتلَ هؤلاء هؤلاء، وهؤلاء هؤلاء، مَن لي بأُمورِ النَّاس؟ مَنْ لي بنسائهم؟ مَنْ لي بضَيْعتِهم؟ فبعثَ إليه رجلين من قريش من بني عبد شمس، عبدَ الرحمن بن سَمُرة، وعبدَ الله بنَ عامِرُ (٣) بن كُرَيْز، فقال: اذهبا إلى هذا الرجل فاعْرِضَا عليه وقُولا له واطْلُبَا إليه، فأتَياه فدخلا عليه فتكلَّما وقالا له، وطلبَا إليه، فقال لهما الحسنُ بنُ عليّ: إنا بنو عبد المطلب قد أَصَبْنَا من هذا المال، وإنَّ هذه الأمة قد عاثتْ في دمائها، قالا: فإنه يعرضُ عليكَ كذا وكذا، ويطلبُ إليكَ ويسألُكَ، قال: فمن لي بهذا؟ قالا: نحنُ لك به، فما سألَهما شيئًا إلا قالا: نحنُ لك به، فصالحَه، فقال الحسنُ: ولقد سمعتُ أبا بكرة يقول: رأيتُ رسول الله على المِنجر والحسنُ بن عليّ إلى جَنْبِه، وهو يُقبلُ على النَّاس مرَّة وعليه


(١) رواه البخاري في صحيحه رقم (٣٦٢٩) في دلائل النبوة.
(٢) في صحيحه رقم (٢٧٠٤).
(٣) في الأصل: عبد الله بن عباس. وهو خطأ ظاهر، والتصحيح من البخاري.