للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بنيها بالمعروف (١). وقصتها مع الفاكه بن المغيرة مشهورة، وقد شهدت اليرموك مع زوجها. وماتت يومَ ماتَ أبو قُحافة في سنة أربع عشرة، وهي أم معاوية بن أبي سفيان.

[ثم دخلت سنة خمس عشرة]

قال ابن جرير (٢): قال بعضهم فيها مَصَّر سعدُ بن أبي وقاص الكوفةَ، دلَّهم عليها ابن بُقيلة (٣)، قال لسعد: أدلُّكَ على أرضٍ ارتفعت عن البَقِّ، وانحدرتْ عن الفلاة؟ فدلَّهم على موضع الكوفة اليوم.

[[وقعة مرج الروم]]

قال: وفيها كانت وقعةُ مرجِ الرُّوم، وذلك لما انصرف أبو عبيدة وخالدٌ من وقعة فِحْل قاصدين إلى حمص حسب ما أمر به أمير المؤمنين عمر بن الخطاب كما تقدم في رواية سيف بن عمر، فسارا حتَّى نزلا على ذي الكَلاع، فبعث هرقل بطريقًا يقال له توذَرا (٤) في جيش معه، فنزل بمرج دمشق وغربها، وقد هجم الشتاءُ، فبدأ أبو عبيدة بمرجِ الرُّوم، وجاء أمير آخر من الروم يقال له شنس (٥) وعسكرٌ معه كثيفٌ، فنازله أبو عبيدة فاشتغلوا به عن توذَرا، فسار توذَرا نحو دمشق لينازلها وينتزعها من يزيد بن أبي سفيان، فاتَّبعه خالد بن الوليد وبرز إليه يزيد بن أبي سفيان من دمشق، فاقتتلوا وجاء خالد، وهم في المعركة، فجعل يقتلهم من ورائهم ويزيد يفصل فيهم من أمامهم، حتى أناموهم (٦) ولم يفلت منهم إلا الشارد، وقتل خالد توذَرا وأخذوا من الروم أموالًا عظيمة فاقتسماها ورجع يزيد إلى دمشق وانصرف خالد إلى أبي عبيدة، فوجده قد واقع شنس بمرج الروم فقاتلهم فيه مقاتلةً عظيمة حتى أنتنت الأرض من زَهَمِهم (٧)، وقَتَلَ أبو عبيدة شنسَ وركبوا أكتافهم إلى حمص فنزل عليها يحاصرها.

[وقعة حمص الأولى]

لما وصلَ أبو عبيدة في اتّباعه الروم المنهزمين إلى حمص، نزل حولها يحاصرها، ولحقه خالد بن الوليد فحاصروها حصارًا شديدًا، وذلك في زمنِ البردِ الشديدِ، وصابرَ أهلُ البلد رجاء أن يصرفَهم عنهم شدة البرد، وصبرَ الصحابةُ صبرًا عظيمًا بحيث إنه ذكر غيرُ واحدٍ أن من الروم منْ كان يرجع وقد سقطت


(١) الحديث رواه البخاري في صحيحه (٦٦٤١) في الأيمان والنذور، ومسلم في صحيحه (١٧١٤) (٩) في الأقضية.
(٢) في تاريخه (٣/ ٥٩٨).
(٣) في أ: مقيلة؛ وهو تحريف.
(٤) في أ: بوذرا. وما هنا موافق للطبري.
(٥) في أ: سيس. وما هنا موافق للطبري.
(٦) قال الزمخشري: ومن المجاز: نام الرجل مات. أساس البلاغة (نوم).
(٧) الزهم: الريح المنتنة، أراد أن الأرض تنتن من جيفهم. اللسان (زهم).