للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التي في صدر إيوان دار السعادة، وجلس نائب السلطنة في صدر المكان، وجلسنا حوله، فكان أول ما قال: كنَّا نحنُ التركَ وغيرنا إذا اختلفنا واختصمنا نجيء بالعلماء فيصلحون بيننا، فصرنا نحن إذا اختلفت العلماء واختصموا فمن يُصلح بينهم؟ وشرع في تأنيب من شنَّع على الشافعي بما تقدم ذكرُه من تلك الأقوال والأفاعيل التي كتبت في تلك الأوراق وغيرها، وأن هذا يشفي الأعداء بنا، وأشار بالصُّلح بين القضاة بعضهم من بعض، فصمَّم بعضهم وامتنع، وجرت مناقشات من بعض الحاضرين فيما بينهم، ثم حصل بحثٌ في مسائل، ثم قال نائب السلطنة أخيرًا: أما سمعتم قول اللَّه تعالى: ﴿عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ﴾ [المائدة: ٩٥] فلانت القلوب عند ذلك، وأمر كاتب السر أن يكتبَ مضمون ذلك في مطالعة إلى الديار المصرية، ثم خرجنا على ذلك انتهى واللَّه أعلم (١).

عودة قاضي القضاة السُّبكي إلى دمشقَ (٢):

في يوم الأربعاء التاسع والعشرين من جمادى الأولى قدم من ناحية الكُسْوة وقد تلقّاه جماعة من الأعيان إلى الصّنمين (٣) وما فوقها، فلما وصل إلى الكُسْوة كثر الناس جدًا، وقاربها قاضي قضاة الحنفية الشيخ جمال الدين بن السَّرَّاج، فلما أشرف من عقبة شحورا تلقاه خلائق لا يحصوْن كثرةً، وأُشعلت الشموع حتى مع النساء، والناس في سرور عظيم، فلما كان قريبًا من الجسورة تلقته الخلائق الخليفيين مع الجوامع والمؤذنون يكبِّرون، والناس في سرور عظيم، ولما قارب باب النصر وقع مطر عظيم والناس معه لا تسعهم الطرقات، يدعون له ويفرحون بقدومه، فدخل دار السعادة وسلَّم على نائب السلطنة، ثم دخل الجامع بعد العصر ومعه شموع كثيرة، والرؤساء أكثر من العامة.

ولما كان يوم الجمعة ثاني شهر جمادى الآخرة ركب قاضي القضاة السبكي إلى دار السعادة وقد استدعى نائبُ السَّلطنة بالقاضيين المالكي والحنبلي، فأصلح بينهم، وخرج من عنده ثلاثتهم يتماشوْن إلى الجامع، فدخلوا دار الخطابة فاجتمعوا هناك، وضيَّفَهُما الشافعي، ثم حضرا خطبته الحافلة البليغة الفصيحة، ثم خرجوا ثلاثتُهم من جوا إلى دار المالكي، فاجتمعوا هنالك وضيَّفَهم المالكي هنالك ما تيسَّر. واللَّه الموفق للصواب (٤).

وفي أوائل هذا الشهر وردت المراسيم الشريفة السلطانية من الديار المصرية بأن يجعل للأمير من إقطاعه النصف خاصًا له، وفي النصف الآخر يكون لأجناده، فحصل بهذا رفق عظيم بالجند، وعدلٌ كثير


(١) الدرر الكامنة (٢/ ٤٢٦).
(٢) بدائع الزهور (٢/ ٣٢) وفيه: في شهر رجب.
(٣) في ط: الصمين بغير نون.
(٤) البدائع (١/ ٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>