للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ذُكِر في حديث إسماعيل بن رافع في حديث الصُّور المتقدم: أن السماء تَنْشَقُّ فيما بين نفختي الفزع، والصَّعْقِ، وأن نُجُومَها تَتناثَرُ، ويَخْسِفُ شَمْسُها وقمَرُها، والظاهر واللَّه أعلم أن هذا إنما يكون بعد نفخة الصَّعْق حين ﴿تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (٤٨) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (٤٩) سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ﴾ [إبراهيم] وقال تعالى: ﴿إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (١) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (٢) وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (٣) وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ (٤) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (٥)﴾ الآيات [الإنشقاق] وقال تعالى: ﴿فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (٧) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (٨) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (٩) يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (١٠) كَلَّا لَا وَزَرَ (١١) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (١٢) يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ (١٣) بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (١٤) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (١٥)[القيامة].

وسيأتى تقرير هذا كُلِّه، وأنه إنما يكون بعد نفخة الصَّعْق، وأما زلزال الأرض وانشقاقها بسبب تلك الزلزلة وفِرارُ الناس إلى أقطارها وأرجائها، فمُناسِبٌ أنه بَعْدَ نفخة الفزع، وقبل الصَّعْق، قال اللَّه تعالى إخبارًا عن مُؤْمِن آل فرعون أنه قال: ﴿وَيَاقَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (٣٢) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ﴾ [غافر: ٣٢ - ٣٣]. وقال تعالى: ﴿يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (٣٣) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٣٤) يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ (٣٥) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٣٦)[الرحمن: ٣٣ - ٣٦].

وقد تقدم الحديث في "مُسند أحمد" و"صحيح مُسلم" والسنن الأربعة، عن أبي سَريحةَ حُذَيْفَة بن أَسِيد أن رسول اللَّه قال: "إنَّ السَّاعةَ لَنْ تَقْومَ حَتَّى تَروْا عشر آياتٍ. . . " فذكرهُنَّ، إلى أن قال: "وآخِرُ ذلك نارٌ تَخرُج من قعر عَدَن، تسوقُ الناس إلى المَحْشر" (١) وهذه النار تسوق الموجودين في آخر الزمان في سائر أقطار الأرض إلى أرض الشام منها، وهي بقعة المحشر والمنشر.

ذِكر أمر هذه النار وحشرها الناس إلى أرض الشام

ثبت في "الصحيحين" من حديث وهيب، عن عبد اللَّه بن طاوس، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللَّه : "يُحْشَر الناس على ثلاثِ طرائقَ: راغبينَ، ورَاهبينَ، واثنان على بعير، وثلاثة على بعير [وأربعةٌ على بعيرٍ] وعشرةٌ على بعير، وتَحْشُرُ بَقِيَّتَهُمُ النَّارُ، تَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قالوا، وتبيتُ مَعَهمْ حَيْثُ بَاتُوا، وتُصْبِحُ مَعَهُمْ حَيْث أَصْبَحُوا، وتُمْسِي مَعَهُمْ حَيْثُ أَمْسَوْا" (٢).

وروى أحمد عن عفان، عن حماد، عن ثابت، عن أنس: أن عبد اللَّه بن سَلَام سأل رسولَ اللَّه


(١) رواه أحمد في المسند (٤/ ٦) ومسلم (٢٩٠١) وأبو داود (٤٣١١) والترمذي (٢١٨٣) والنسائي في "الكبرى" (١١٤٨٢) وابن ماجه (٤٠٤١).
(٢) رواه البخاري رقم (٦٥٢٢) ومسلم رقم (٢٨٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>