للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الغلبةَ ما داموا مُقِرِّين به، وهو دين الحق، لا يرغبُ عنه أحدٌ إلا ذلَّ، ولا يعتصم به إلا عزَّ. فقال له رستم: فما هو؟ فقال: أما عموده الذي لا يصلح شيء منه إلا به فشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، والإقرار بما جاء من عند الله، فقال ما أحسن هذا؟! وأي شيء أيضًا. قال وإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله. قال: وحسن أيضًا، وأي شيء أيضًا؟ قال: والناس بنو آدم، فهم إخوة لأب وأم، قال: وحسن أيضًا. ثم قال رستم: أرأيت إن دخلنا في دينكم أترجعون عن بلادنا؟ قال: إي والله ثم لا نقرب بلادكم إلا في تجارة أو حاجة. قال: وحسن أيضًا. (قال): ولما خرج المغيرة من عنده ذاكر رستم رؤساء قومه في الإسلام فأنِفُوا ذلك وأَبَوْا أن يدخلوا فيه، قبَّحهم الله وأخزاهم، وقد فعل.

[[رستم وربعي بن عامر]]

قالوا (١): ثم بعث إليه سعد رسولًا آخر بطلبه وهو رِبْعي بن عامر، فدخل عليه وقد زيَّنوا مجلسَهُ بالنمارق المذهَّبة" (٢) والزرابي الحرير (٣)، وأظهر اليواقيت واللآلئ الثمينة، والزينة العظيمة، وعليه تاجه وغير ذلك من الأمتعة الثمينة. وقد جلس على سرير من ذهب. ودخل رِبْعي بثياب صفيقة (٤) وسيف وترس وفرس قصيرة، ولم يزل راكبها حتى داس بها على طرف البساط، ثم نزل وربطها ببعض تلك الوسائد، وأقبل وعليه سلاحه ودرعه وبيضته على رأسه. فقالوا له: ضع سلاحك. فقال: إني لم آتكم، وإنما جئتكم حين دعوتموني، فإن تركتموني هكذا وإلَّا رجعت. فقال رستم: ائذنوا له، فأقبل يتوكأ على رمحه فوق النمارق، فخرق عامتها، فقالوا له: ما جاء بكم؟ فقال: الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جَور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه، فمن قَبِلَ ذلك (قبلنا) منه ورجعنا عنه، ومن أبى قاتلناه أبدًا حتى نفضي إلى موعود (٥) الله. قالوا: وما موعود الله؟ قال: الجنةُ لمن ماتَ على قتال منْ أبى، والظفرُ لمن بقي. فقال رستم: قد سمعتُ مقالتكم فهل لكم أن تؤخروا هذا الأمر حتى ننظرَ فيه وتنظروا؟ قال: نعم! كم أحبُّ إليكم؟ يومًا أو يومين؟ قال: لا، بل حتى نكاتب أهل رأينا ورؤساء قومنا. فقال: ما سنَّ لنا رسول الله أن نؤخّر الأعداء عند اللقاء أكثر من ثلاث، فانظر في أمرك وأمرهم واختر واحدة من ثلاث بعد الأجل، فقال: أسيدهم أنت؟ قال! لا: ولكن المسلمون كالجسد الواحد يجير أدناهم على أعلاهم. فاجتمع رستم برؤساء قومه فقال: هل رأيتم قط أعزَّ وأرجحَ من كلام هذا الرجل؟ فقالوا: معاذَ الله أن تميل إلى شيء من هذا، وتدعَ دينك إلى هذا الكلب، أما ترى إلى ثيابه، فقال: ويلكم لا تنظروا إلى الثياب،


(١) الخبر في تاريخ الطبري (٣/ ٥١٨ - ٥١٩).
(٢) النمارق: الوسائد. اللسان (نمرق).
(٣) الزرابي: البسط، وقيل كل ما بسط واتكئ عليه. وقيل هي الطنافس وقيل هي النمارق. اللسان (نمرق).
(٤) في أ: ضعيفة. والصفيقة: السخيفة الرثة.
(٥) في أ: موعد.