للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لست على مذهبك يا أبت! فقال له: واللَّه لقد وطئت أمَّك قبل أن أشتريها، فهذا من ذاك (١).

فذكر القاضي ابنُ خلكان (٢): أنَّ ولده رأى في المنام بعد وفاة أبيه أن آتيًا أتاه، فقال: أجب الأمير! قال: فقمت معه، فأدخلني دارًا وَحْشَةً، وَعْرَةً، سوداءَ الحيطان، مغلَّقة السقوف والأبواب، وأصعدني في درجٍ منها، ثم أدخلني غرفة، في حيطانها أثرُ النيران، وفي أرضها أثرُ الزماد، وإذا بأبي فيها وهو عُرْيان، واضعٌ رأسَه بين ركبتيه، فقال لي كالمستفهم: دُلَف؟ فقلت: دُلَف. فأنشأ يقول:

أبْلِغَنْ أهْلَنا ولا تُخْفِ عَنْهُمْ … ما لَقِينا في البَرْزَخِ الخَنّاقِ

قد سُئِلْنا عن كلِّ ما قدْ فَعَلْنا … فارْحَمُوا وَحْشَتي وَمَا قَدْ ألاقِي

ثم قال: أفهمت؟ قلت: نعم! فأنشَدَ:

فَلَوْ أنَّا إذا متنا تُرِكْنَا … لَكَانَ المَوْتُ راحَةَ كُلِّ حَيِّ

ولكنَّا إذا متْنا بُعِثْنا … ونُسْألُ بَعْدَهُ عَنْ كُلِّ شَيِّ

ثم قال: أفهمت؟ قلت: نعم. وانتبهت.

[ثم دخلت سنة سبع وعشرين ومئتين]

فيها: خرَج رجلٌ من أهل الغَور بالشام يقال له: أبو حَزب المُبَرْقَع اليَماني، فخلع الطاعة، ودعا إلى نفسه، [وسُمِّي السفياني] (٣).

وكان سبب خروجه أن رجلًا من الجند أراد أن ينزلَ في منزله، وذلك في غيبة أبي حَرْب، فمانَعَتْه المرأة، فضربَها الجنديّ في يدها، فأثَّرت الضربة في معصمها.

فلمَّا جاء بعلها أخبرته، فذهب إلى الجندي وهو غافل فضربه، فقتله، ثم تحصَّن في رؤوس الجبال وهو مُبَرْقَعٌ، فإذا جاء أحدٌ دعاه إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويذمُّ من السلطان، فاتبعه خلق كثير من الحرَّاثين وغيرهم، وقالوا: هذا هو السُّفياني المذكور أنه يملك الشامَ، واستفحل أمره جدًا، واتبعه نحو من مئة ألف مقاتل، فنفذ إليه الخليفةُ المعتصم وهو في مرض موته جيشًا نحوًا من ألفِ مقاتل.

فلمَّا قدم الأميرُ وجَدَ أمَّة كثيرةً قد اجتمعوا حوله، فخشي أن يناجزه والحالة هذه، فانتظر حتى جاء وقت حَرْث الأراضي فتصرَّم محنه الناس إلى أراضيهم، وبقي في شِرْذمةٍ قليلة من أصحابه، فناهضه فأسره


(١) وفيات الأعيان (٤/ ٧٨).
(٢) وفيات الأعيان (٤/ ٧٨) وفيه الأبيات.
(٣) زيادة من ب، ظا.

<<  <  ج: ص:  >  >>