للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي "الصَّحيحين" منْ طريقِ سعيد، عن قَتادةَ، عن أنسٍ، عن النبيِّ قال: "لا تَزَالُ جَهنَّمُ يُلْقَى فيها، ﴿وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ﴾ حتَّى يَضَعَ رَبُّ العِزَّةِ فيهَا قَدَمَهُ، فيَنْزَوي بعْضُها إلى بَعْضٍ، وتقول: قَطْ قَطْ، بعِزَّتِكَ وكرمِك، ولا يزالُ في الجَنَّةِ فَضْلٌ حتَّى يُنْشئَ اللهُ لها خَلْقًا فيُسْكِنَهُمْ فَضْلَ الجَنَّةِ" (١).

وقد ثبت في "الصَّحيحين" عن رسولِ الله : أنَّه رأى الْجنّةَ والنارَ لَيْلَةَ أُسْري به (٢).

فأما ما وَقَعَ في "صحيح البُخاري"، عن أبي هريرةَ، عن النَّبيِّ ، وأنَّهُ تعَالى يُنْشئُ للنَّارِ منْ يشاءُ، فيُلْقَى فيها، فتقول: ﴿وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ﴾ فقد قال بعضُ الحُفَّاظٍ: هذا غلطٌ منْ بعضِ الرُّواةِ، وكأنَّهُ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ، ودَخَلَ علَيْهِ لَفْظٌ في لَفْظٍ، فنَقَل هذا الْحُكْمَ منْ أهلِ الْجَنَّةِ إلى النَّارِ.

قلتُ: فإنْ كان مَحْفُوظًا، فيَحْتملُ أنَّهُ تعَالى يَمْتَحِنُهُمْ في العَرَصَاتِ، كما يَمْتَحِنُ غيرَهُمْ ممَّن لم تَقُمْ علَيْهِ الحُجّةُ في الدُّنْيا، فمنْ عَصَى مِنْهُمْ أدْخَلَهُ النّارَ، ومنِ اسْتَجابَ أدْخلهُ الجَنَّة، لقولهِ تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ [الإسراء: ١٥] وقال تعالى: ﴿رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ [النساء: ١٦٥].

[فصل]

وقد ذكرنا فيما سَلَفَ صِفَةَ أهْل الْجَنَّةِ حَالَ دُخُولهمْ إليها، وقُدُومِهِمْ عَليها، وأنَّهُمْ يُحَوَّلُ خَلْقهُمْ إلى طُولِ سِتِّين ذِراعًا في عَرْضِ سبْعَةِ أذْرُعٍ، وأنَّهُمْ يكُونُون جُرْدًا مُرْدًا مُكَحَّلين في سنِّ أبْناءِ ثَلاثٍ وَثلاثين، [وأنَّهُمْ يُعرِبُون] (٣).

قال أبو بكْرِ بن أبي الدُّنيا: حدّثني القاسمُ بنُ هاشِمٍ، حدّثنا صَفْوانُ بنُ صالحٍ، حدَّثني رَوَّادُ بنُ الجَرَّاحِ العَسْقَلانيّ، حدّثنا الأوْزَاعيُّ، عن هارُونَ بنِ رِئابٍ، عن أنس بنِ مالك ، قال: قال رسولُ الله : "يَدْخُلُ أهْلُ الجَنَّةِ الْجَنَّةَ على طُولِ آدَمَ؛ سِتِّينَ ذِرَاعًا بذِراعِ الْمَلَك، على حُسْنِ يُوسُفَ، وعلى مِيلادِ عِيسى، أبناءَ ثلاثٍ وثلاثين، وعلى لِسَانِ محمدٍ " (٤).


(١) رواه مسلم رقم (٢٨٤٨) واللفظ له، والبخاري (٧٣٨٤) موصولًا بصيغة التعليق، فقال: وقال لي خليفة .... -.
(٢) رواه البخاري (٣٤٩) ومسلم (١٦٣) وفيهما أنه رأى الجنة، وأما رؤيته النار، فقد رواه أحمد في المسند (٥/ ٣٨٧) والترمذي رقم (٣١٤٧) وإسناده حسن.
(٣) أي أنهم يتكلمون بالعربية.
(٤) رواه ابن أبي الدنيا في "صفة الجنة" (٢٢٠) وفي إسناده ضعف.

<<  <  ج: ص:  >  >>