للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبيضَ غلامًا كان أو جارية. فَهِمَ ذلك من قولهِ : "غُرَّةٌ عبدٌ أو أمَة" (١)، ولو أُريدَ أي عبد كان أو جارية لما قَيَّدَهُ بالغُرَّة، وإنما الغُرَّةُ البياض. قال ابنُ خَلِّكان: وهذا غريب، ولا أعلَمُ هل يوافق قول أحدٍ من الأئمة المجتهدين أم لا؟.

وذُكر عنه أنه كان إذا دخل شهرُ رمضان لا يُنشدُ بيتًا حتى ينسلخ، وإنما كان يقرأ القرآن؛ وأنه كان يشتري له كل يومٍ كوزًا جديدًا وريحانًا طريًّا. وقد صَحِبَهُ الأصمعي نحوًا من عشرِ سنين.

كانت وفاتُه في هذه السنة، وقيل في سنةِ ستٍّ وخمسين، وقيل سبعٍ وخمسين ومئة فاللّه أعلم، وقد قَارَبَ التسعين، وقيل: إنه جاوزَها فاللّه أعلم. وقبرُه بالشام، وقيل بالكوفة، فاللّه أعلم.

وقد روى ابنُ عساكر (٢) في ترجمةِ صالح بن علي بن عبد اللّه بن العباس عن أبيه عن جدِّه عبد اللّه بن عباس مرفوعًا: "لأنْ يُرَبِّي أحدُكم بعدَ أربعٍ وخمسين ومئة جَرْوَ كلبٍ خيرٌ له من أنْ يُرَبِّي ولدًا لِصُلْبِه". وهذا مُنْكرٌ جدًّا. وفي إسنادِهِ نظَر. ذكرَهُ من طريقِ تَمَّام، عن خيثمة بنِ سليمان، عن محمد بن عوف الحمصي، عن أبي المغيرة عن عبد اللّه بن السمط، عن صالح به؛ وعبد اللّه بن السمط هذا لا أعرفُه، وقد ذكرَهُ شيخنا الحافظُ الذهبي في كتابهِ الميزان (٣) وقال: رَوَى عن صالحِ بنِ علي حديثًا موضوعًا.

[ثم دخلت سنة خمس وخمسين ومئة]

فيها دخلَ يزيدُ بن حاتم بلادَ إفريقيَة، فافتتحها عودًا على بَدْء، وقَتَلَ منْ كان فيها ممَّنْ تغلَّبَ عليها من الخوارج، وقتَلَ أمراءَهم، وأسَرَ كُبَراءهم، وأذلَّ أشرافَهم، وأرغَمَ آنافَهم، وبدَّدَ آلافَهم، واستبدلَ أهلَ تلك البلادِ بالخَوفِ أمْنًا وسلامةً، وبالإهانةِ كرامةً.


(١) الحديث أخرجه أبو يعلى في مسنده (١٠/ ٣٢٣، ٣٢٤) (٥٩١٧) بسنده عن أبي هريرة قال: قضى رسولُ الله في الجنين غرة عبد أو أمة. قال: فقال الذي قَضَى عليه: أيعقلُ منْ لا أكلَ ولا شرب ولا صاحَ فاستهلّ؟ فمِثْلُ ذلك يُطَلّ؟! فقال النبيُّ : "إنَّ هذا يقولُ بقولِ شاعر، فيه غُرَّةٌ عبد أو أمّةً". ورواه أبو داود رقم (٤٥٧٦) وابن ماجة رقم (٢٦٣٩) وهو حديث صحيح وقال الخطابي في غريب الحديث ١/ ٢٣٦: قال أبو عمرو بن العلاء: قولُ رسولِ الله: "في الجنين غُرَّة عبد أو أمة"، لولا أنَّ رسولَ اللّه أرادَ بالغُرَّةِ معنى لقال: "في الجنين عبد أو أمة"، ولكنَّه عَنَى البياضَ حتى لا يُقبلَ في الديةِ إِلَّا غلامٌ أو جاريةٌ بيضاء، ولا يُقْبَلَ فيها أسود ولا سوداء. قال أبو سليمان: وهذا شبيهٌ بالمعنى الأول، لأنَّ البياضَ ممّا يُبتغَى في الرقيق، ويُزاد له في القيمة؛ وكانت العَرَب تقتني الحَبَش والنُّوبة، والبياضُ فيهم عزيز، فمنْ أرادَ البياض في الجِنْس كالرُّوم والصقالبة لم يقدرْ عليه إِلَّا بأنْ يرفعَ في الثمن. اهـ.
(٢) تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر (٢٣/ ٣٥٧، ٣٥٨).
(٣) ميزان الاعتدال (٤/ ١١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>