للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجدَ الذي قد أصلحُوه، فقال: أنَّى لكم هذا؟ قالت: من الذي جئتَ به، فعرفَ أنَّه رزقٌ رزَقَهموه اللّه ﷿.

فال زيدُ بن أسلم: وبعثَ اللّه إلى ذلك المَلِك الجبَّار ملَكا فأمره بالإيمان باللّه، فأبى عليه، ثم دعاه الثانية، فأبى عليه، ثم الثالثة، فأبى. وقال: اجمعْ جموعَك وأجمعُ جموعي، فجمعَ النمرودُ جيشَه وجنودَه وقتَ طُلوع الشمس، فأرسلَ اللّه عليه ذبابًا من البَعوض، بحيثُ لم يرَوا عينَ الشمسَ، وسلَّطها الله عليهم، فأكلتْ لحومَهم ودماءَهم، وتركتْهم عظامًا باديةً، ودخلتْ واحدةٌ منها في مِنْخر المَلكِ، فمكثتْ في منخريه أربعمئة سنة، عذَّبه اللّه تعالى بها، فكان يضربُ رأسه بالمرازب (١) في هذه المدة كلها حتى أهلكَه اللّه ﷿ بها (٢).

* * *

ذكرُ هجرة الخليل إلى بلاد الشام ودخوله الديار المصرية، واستقرارِه بالأرض المقدَّسة

قال اللّه تعالى: ﴿فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٦) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [العنكبوت: ٢٦، ٢٧] وقال تعالى: ﴿وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (٧١) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ (٧٢) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ﴾ [الأنبياء: ٧١ - ٧٣] لما هجرَ قومَه في اللّه، وهاجرَ من بينِ أظهرهم، وكانت امرأتُه عاقرًا لا يُولد لها، ولم يكنْ له من الولد أحدٌ، بل معه ابنُ أخيه لوطُ بن هاران بن آزر، هبَه اللّه تعالى بعد ذلك الأولادَ الصالحينَ، وجعلَ في ذُريَّتهِ النبوة والكتاب، فكل نبيٍّ بُعِثَ بعدَه من ذُريَّته، وكلُّ كتابٍ نزلَ من السماء على نبيٍّ من الأنبياء منْ بعدِه، فعلى أحد نسلِه وعَقبه خِلعة (٣) من اللّه وكرامةً له حين تركَ بلادَه وأهلَه وأقرباءَه وهاجرَ إلى بلد يتمكَّن فيها من عبادة ربِّه ﷿، ودعوةِ الخلق إليه، والأرضُ التي قصدَها بالهجرة أرضُ الشام، وهي التي قال اللّه ﷿: ﴿إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: ٧١] قاله أُبيُّ بن كعب (٤)، وأبو العالية، وقتادة وغيرهم. وروى (٥) العوفي عن ابن عباس قوله:


(١) "المرازب": جمع مِرْزبة: وهي المطرقة الكبيرة، ويقال له: الإرزبَّة: بالهمز والتشديد.
(٢) أخرجه ابن جرير في تفسيره (٣/ ٢٧) وذكره السيوطي في الدر المنثور (٢/ ٢٤ - ٢٥).
(٣) "خِلْعةً": عطيَّة.
(٤) انظر الدر المنثور؛ للسيوطي (٥/ ٦٤٢ - ٦٤٣).
(٥) أخرجه ابن جرير في تفسيره (٩/ ٤٦).