للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مقاديرها، ليكون الجَزاءُ بِحَسبها، قال: وقوله تعالى: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ يحتمل أن يكون ثَمَّ مَوَازينُ مُتعدّدة، توزنُ فيها الأعمال، ويحتمل أن يكون المراد المَوْزونات، فجُمع باعتبار تَنَوّع الأعمال الموزونة، واللَّه أعلم.

[بيان كون الميزان له كفتان حسيتان مشاهدتان]

قال الإمام أحمد: حدَّثنا إبراهيم بن إسحاق الطَّالقَانيّ، حدَّثنا ابنُ المبارك، عن لَيْث بن سَعْد، حدّثني عامر بن يحيى، عن أبي عبد الرحمن الْحُبُليّ، واسمه عبد اللَّه بن يَزيد، سمعتُ عبد اللَّه بن عمرو، يقول: قال رسول اللَّه : "إن اللَّه تعالى يستخلص رجلًا من أُمَّتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فيَنْشُر اللَّهُ عليه تِسعةً وتسعين سِجلًّا، كلُّ سِجِلٍّ مَدُّ البَصرِ، ثم يقول له: أتنكرُ مِنْ هذا شَيْئًا؟ أظلمكَ كَتَبتي الحافظون؟ قال: لا، يا رَبِّ، فيقول اللَّه: ألَكَ عُذْرٌ أوْ حَسَنةٌ؟ فيُبْهتُ الرَّجُل، فيقول: لا، يا رَبِّ، فيقول: بلى، إنَّ لك عندنا حسنة واحدة، إنك لا تظلم، أو قال: لا ظلم عليك اليوم، فتخرج له بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إِلَّا اللَّه، وأن محمدًا عبده ورسوله، فيقول: أحْضِرُوه، فيقول: يا رَبّ، ما هذه البطاقةُ مع هذه السِّجلات؟ فيقول: إنّك لا تُظْلم" قال: "فتوضع السِّجلاتُ في كِفَّةٍ، والبطاقةُ في كِفَّةٍ" قال: "فَطَاشَت السِّجِلَاتُ، وَثَقُلتْ البطاقة، ولا يَثْقُلُ شَيْءٌ [مع] اسم اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحيم" وهكذا رواه الترمذيّ وابن ماجه وابن أبي الدنيا، من حديث الليثِ، زاد الترمذي: وابن لهيعة -كلاهما- عن عامر بن يحيى، به، وقال الترمذيّ: حسن غريب (١).

[سياق آخر [لهذا الحديث]]

قال أحمد: حدَّثنا قُتيبةُ، حدَّثنا ابنُ لهيعة، عن عمرو بن يحيى (٢)، عن أبي عبد الرحمن الحُبُلي، عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص، قال: قال رسول اللَّه : "توضع الموازينُ يوم القيامة، فيُؤْتى بالرَّجُلِ فيُوضَع في كِفَّةٍ، فيوضع ما أُحصي عليه من أعماله فيَتَمايل به الميزان" قال:


(١) رواه أحمد في المسند (٢/ ٢١٣) والترمذي رقم (٢٦٣٩) وابن ماجه رقم (٤٣٠٠) وهو حديث صحيح.
أقول: وفي هذا الحديث الشريف بشارة عظمى وفائدة كبرى، وهي أن البطاقة التي فيها (لا إله إِلَّا اللَّه وأن محمدًا عبده ورسوله) ثقلت في الميزان، ورجحت على سائر السجلات، وهذا يدل على مدى قيمة هذه الكلمة الطيبة، وأنها تنجي قائلها من الخلود في النار يوم القيامة، وأن توحيد اللَّه ﷿ والاعتراف له بالوحدانية ولمحمد بالرسالة، هو الأصل الذي عليه تبنى جميع الأعمال، نسأل اللَّه تعالى أن يختم حياتنا بهذه الكلمة الطيبة والإيمان بها والعمل بمدلولها.
(٢) كذا في الأصول: عمرو بن يحيى، والصواب عامر بن يحيى.

<<  <  ج: ص:  >  >>