للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذكر الشعر المتقدِّم إلى قوله: وينأى الأمير بالحَبيب المفارق. ثم رجع إلينا فقال: شأنكم. قال: فقدَّمناه، فضربنا عنقه. قال: فانحدرت الأخرى من هَوْدَجها، فحنت عليه حتى ماتت.

ثم روى البيهقيُّ (١) من طريق أبي عبد الرحمن النسائي، ثنا محمد بن علي بن حرب المروزيُّ، ثنا علي بن الحُسين بن واقد، عن أبيه، عن يزيد النحويِّ، عن عِكْرِمَة، عن ابن عباس، أن رسول الله بعث سرية فغنموا، وفيهم رجل فقال لهم: إنِّي لست منهم، إنِّي عشقت امرأة فلحقتها، فدعوني أنظر إليها نظرة، ثم اصنعوا بي ما بدا لكم. قال: فإذا امرأة أدماء طويلة، فقال لها: اسلَمي حُبَيش قبل نفاد العيش. ثم ذكر البيتين بمعناهما. قال: فقالت: نعم فديتك. قال: فقدَّموه فضربوا عنقه، فجاءت المرأة فوفعت عليه، فشهقت شهقة أو شهقتين ثم ماتت، فلمَّا قدموا على رسول الله أخبروه الخبر، فقال: "أَمَا كَانَ فِيْكُمْ رَجُلٌ رَحِيْمٌ؟ ".

* * *

بعث خالد بن الوليد لهدمِ العُزَّى

قال ابن جرير (٢): وكان هدمها لخمس بقين من رمضان عامئذ.

قال ابن إسحاق (٣): ثم بعث رسول الله خالد بن الوليد إلى العزَّى، وكانت بيتًا بنخلة يعظِّمه قريش وكِنَانة ومُضر، وكان سدنتها وحُجَّابُهَا من بني شيبان من بني سُلَيم حلفاء بني هاشم، فلمَّا سمع حاجبها السُّلميُّ بمسير خالد بن الوليد إليها علَّق سيفه عليها، ثم اشتدَّ في الجبل الذي هي فيه وهو يقول: [من ألطويل]

أيا عُزَّ شُدّي شدَّة لا شَوَى لها … على خالد ألقي القناع وشمِّري

أيا عُزَّ إن لم تقتُلي المرءَ خالدًا … فبوئي بإثم عاجل أو تَنَصَّري

قال: فلمَّا انتهى خالد إليها هدمها، ثم رجع إلى رسول الله .

وقد روى الواقديُّ (٤) وغيره أنه لمَّا قدمها خالد لخمس بقين من رمضان فهدمها، ورجع فأخبر رسول الله ، فقال: "ما رأيتَ؟ " قال: لم أر شيئًا، فأمره بالرُّجوع، فلمَّا رجع خرجت إليه من ذلك البيت امرأة سوداء ناشرة شعرها تولول، فعلاها بالسيف وجعل يقول: [من الرجر]


(١) في "دلائل النبوة" (٥/ ١١٧).
(٢) انظر "تاريخ الطبري" (٣/ ٦٥) بتحقيق الأستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم، طبع دار المعارف بمصر.
(٣) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٤٣٦) و"الروض الأنف" (٧/ ١٣٤).
(٤) انظر "المغازي" (٣/ ٨٧٣).