للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قصة يزدجرد بن شهريار بن كسرى [الذي كان ملك الفُرس]

لما استلب سعدٌ من يديه مدينة سلكِهِ، ودارَ مقرّه، وإيوانَ سلطانِه، وبساطَ مشورتِه وحواصله، تحوَل من هناك إلى حُلوان، ثم جاء المسلمون ليحاصروا حلوان فتحوّل إلى الري، وأخذ المسلمون حلوان ثمَّ أُخذت الريّ، فتحوّل منها إلى أصبهان، فأخذت أصبهان فسار إلى كِرمان فقصد المسلمون كِرمان فافتتحوها: فانتقل إلى خراسان فنزلها، هذا كلُّه والنارُ التي يعبدُها من دون الله يسير بها معه من بلد إلى بلد، ويبني لها في كل بيت توقد فيهم على عادتهم، وهو يُحمل في اللَّيل في مسيره إلى هذه البلدان على بعيبرِ عليه هودجٌ ينامُ فيه. فبينما هو ذاتَ ليلةٍ في هودجه وهو نائمٌ فيه، إذ مرّوا به على مخاضة فأرادوا أن ينبّهوه قبلها لئلا ينزعجَ إذا استيقظ في المخاضة، فلما أيقظوه تغضّب عليهم شديدًا وشتَمهم، وقال: حرمتموني أن أعلم مدةَ بقاء هؤلاء في هذه البلاد وغيرها، إني رأيتُ في منامي هذا أنَّي ومحمدًا [تناجينا] عند الله، فقال له: ملككم مئة سنة، فقال: زدني. فقال: عشرًا ومئة، فقال: زدني فقال: عشرين ومئة سنة. فقال: زدني فقال: لك. وأنبهتموني، فلو تركتموني لعلمت مدة هذه الأمة.

[[غزو المسلمين بلاد] خراسان مع الأحنف بن قيس]

وذلك أنّ الأحنفَ بن قيسٍ هو الذي أشار على عمر بأن يتوسَّع المسلمون (١) بالفتوحات في بلاد العجم، ويضيِّقوا على كسرى يزدجرد، فإنّه هو الذي يستحثّ الفرسَ والجنودَ على قتال المسلمين. فأذنَ عمرُ بن الخطاب في ذلك عن رأيه، وأمَّرَ الأحنفَ، وأمَرَهُ بغزو بلاد خراسان. فركب الأحنف في جيش كثيف إلى خراسان قاصدًا حرب يَزْدجردَ. فدخل خراسان فافتتح هراةَ عنوةً واستخلف عليها صُحار بن فُلان العَبْدي، ثم سار إلى مرو الشَّاهْجان وفيها يَزْدجردُ، وبعث الأحنفُ بين يديه مطرّف بن عبد الله بن الشخِّير إلى نيسابور، والحارث بن حسان إلى سرخس. ولما (٢) اقترب الأحنف من مرو الشاهجان، ترحل منها يزدجرد إلى مرو الرَّوْذ (فافتتح الأحنف مرو الشاهجان فنزلها. وكتب يزدجرد حين نزل مرو الروذ) إلى خاقان ملك الترك يستمده وكتب إلى (ملك) الصُّغد [يستمده، وكتب إلى ملك الصين] (٣) يستعينه. وقصده الأحنف بن قيس إلى مَرْو الرَّوْذِ وقد استخلف على مَرْو الشاهْجَان


(١) في أ: المسلمين؛ خطأ.
(٢) في أ: فلما.
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من أ، ط واستدرك من تاريخ الطبري (٤/ ١٦٧).