للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكانوا قبل تلك السنوات قد زادوا بعد التَّأذين الآية (١) ليلة الجُمْعة والتَّسليم على رسول اللَّه ، يبتدئ الرئيس منفردًا ثم يُعيد عليه الجماعة بطريقة حسنة (٢)، وصار ذلك سببًا لاجتماع الناس في صحن الجامع لاستماع ذلك، وكلَّما كان المبتدئ حسنَ الصَّوت كانت الجماعة أكثر اجتماعًا، ولكن طال بسبب ذلك الفصل، وتأخَّرت الصَّلاة عن أول وقتها. انتهى.

كائنة غريبة جدًا

وفي ليلة الأحد عشيَّة السبت نزل الأمير سيف الدين قُطْلُوبُغَا الفخري بظاهر دمشقَ بين الجسورة وميدان الحصى بالأطلاب الذين جاؤوا معه من البلاد المصرية لمحاصرة الكَرَك للقبض على ابن السلطان الأمير أحمد بن الناصر، فمكثوا على الثنيَّة محاصرين مضيِّقين عليه إلى أن توجه نائبُ الشَّام إلى حلب، ومضت هذه الأيام المذكورة، فما درى الناسُ إلا وقد جاء الفخري وجموعه، وقد بايعوا الأمير أحمد وسمَّوهُ النّاصرَ بن الَّناصر، وخلعوا بيعة أخيه الملك الأشرف علاء الدين كُجُك واعتلُّوا بصغره، وذكروا أنَّ أتابكه الأمير سيف الدين قَوْصُون الناصري قد عدى على ابني السلطان فقتلهما خنقًا ببلاد الصَّعيد، جهز إليهما من تولّى ذلك، وهما الملك المنصور أبو بكر ورمضان، فتنكَّر الأمير بسبب ذلك، وقالوا: هذا يريد أن يجتاح هذا البيت ليتمكن هو من أخذ المملكة، فحموا لذلك وبايعوا ابن أستاذهم وجاؤوا في الذهاب خلف الجيش ليكونوا عونًا للأمير سيف الدين طَشْتَمُر نائب حلب ومن معه، وقد كتبوا إلى الأمراء يستميلونهم إلى هذا، ولمّا نزلوا بظاهر دمشق خرج إليهم مَن بدمشق من الأكابر والقضاة والمباشرين، مثل والي البر ووالي المدينة وابن سَمِنْدار وغيرهم، فلمَّا كان الصباح خرج أهالي دمشق عن بكرة أبيهم، على عادتهم في قدوم السلاطين، ودخول الحُجّاج، بل أكثر من ذلك من بعض الوجوه، وخرج القضاة والصاحب والأعيان والولاة وغيرهم، ودخل الأمير سيف الدين قُطْلُوبَغا في دست نيابة السَّلطنة التي فوَّضها إليه الملك الناصر الجديد وعن يمينه الشافعي، وعن شماله الحنفي على العادة، والجيش كلُّه محدقٌ به في الحديد، والعقارات والبوقات والنشابة السلطانية والسناجق الخليفية والسلطانية تخفق، والناس في الدُّعاء والثَّناء للفخري، وهم في غاية الاستبشار والفرح، وربما نال بعض جهلة الناس من النائب الآخر الذي ذهبَ إلى حلبَ، ودخلت الأطلاب بعده على ترتيبهم، وكان يومًا مشهودًا، فنزل شرقي دمشق قريبًا من خان لاجين، وبعث في هذا اليوم، فرسم على القضاة والصاحب، وأخذ من أموال الأيتام وغيرها خمسمئة ألف، وعوضهم عن ذلك بقرية من بيت المال، وكتب بذلك سجلات، واستخدم جيدًا، وانضاف إليه من الأمراء


(١) يريد قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: ٥٦].
(٢) وهذا ما يسمى بأذان الجوق، وهو مخالف للسنة، ولم يكن من هدي السلف الصالح.

<<  <  ج: ص:  >  >>