للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أسد الدولة (١) أبو علي صالح بن مرداس بن إدريس الكِلابيّ.

أول ملوك بني مِرداس بحلب، انتزعها من يد نائب الظاهر بن الحاكم العبيدي، في ذي الحجّة سنة سبع عشرة وأربعمئة، ثم جاءه جيش كثيف من مصر، فاقتتلوا فقُتِل أسد الدولة هذا في سنة تسع عشرة، وقام حفيده نصر.

[ثم دخلت سنة إحدى وعشرين وأربعمئة]

فيها: توفي الملك الكبير [المجاهد الغازي فاتح بلاد الهند] محمود بن سُبُكْتِكين، رحمه اللَّه تعالى. لما كان في ربيع الأول من هذه السنة توفي الملك العادل المجاهد [الثاغر المرابط، المؤيَّد، المنصور، يمين الدولة، أبو القاسم محمود بن سُبُكْتِكين صاحب بلاد غَزْنة، ومالك تلك الممالك الكبار، وفاتح أكثر بلاد الهند قهرًا، وكاسرُ أصنامهم وبدودهم وأوثانهم (٢) كسرًا، وقاهر جنودهم، وسلطانهم الأعظم فسرًا، وقد تمرّض نحوًا من سنتين، لم يضطجع فيها على فراش، ولا توسّد وسادًا، بل كان ينام قاعدًا حتى مات وهو كذلك، وذلك لشهامته، وصرامته، وقوّة عزمه، وله من العمر ستون سنة، وقد عهد بالأمر من بعده لولده محمد، فلم يتمّ أمره حتى غافصه (٣) أخوه مسعود بن محمود فاستحوذ على ممالك أبيه، مع ما كان إليه مما يليه، وفتحه هو بنفسه من بلاد الكفّار من الرساتيق الكبار والصغار، فاستقرَّت له الممالك شرقًا وغربًا في تلك النواحي في أواخر هذا العام، وجاءته الرسل من كلّ ناحية، ومن كلّ ملك همام بالتحية والإكرام، [وبالخضوع التام] وستأتي ترجمة محمود في الوفيات.

وفيها: استحوذت السريّة التي كان بعثها الملك محمود إلى بلاد الهند على أكبر مدائنهم، وهي المسمّاة نَرْسَى، دخلوها في نحو من مئة ألف مقاتل ما بين فارس وراجل، فنهبوا سوق العطر والجوهر بها نهارًا كاملًا، [ولم يستطيعوا أن يحولوا ما فيه من أنواع الطيب والمسك والجواهر واللآليء واليواقيت] ولم يدر أكثر أهلها بشيء لاتساعها، وذلك أنها كانت في غاية الكبر، طولها مسيرة منزلة من منازل الهند، وعرضها كذلك، وأخذوا منها من الأموال والتحف [والأثاث] ما لا يحدّ ولا يوصف، حتى قيل: إنهم اقتسموا الذهب والفضة بالكيل، ولم يصل إلى هذه المدينة جيش من جيوش المسلمين، لا قبل هذه السنة ولا بعدها [وهذه المدينة من أكثر بلاد الهند خيرًا ومالًا، بل قيل: إنه لا توجد مدينة أكثر منها مالًا ورزقًا مع كفر أهلها، وعبادتهم الأصنام، فليسلم المؤمن على الدنيا


(١) وفيات الأعيان (٢/ ٤٨٧)، الكامل في التاريخ (٩/ ٣٩٢).
(٢) البدود جمع بُدّ: بيت فيه أصنام وتصاوير.
(٣) غافصه: فاجأه، وأخذه على غرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>