للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدالّة على اقترابها، ودُنُوِّها، فعُومل ذلك الوقتُ مُعاملَةَ يوم القيامة، كما قال تعالى: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا﴾ [الأنعام: ١٥٨].

وقال تعالى: ﴿فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (٨٤) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ﴾ [غافر: ٨٤ - ٨٥].

وقال تعالى: ﴿فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ﴾ [محمد: ١٨].

وقد حكى البَيْهَقِيُّ، عن الحاكم أنّه قال: أوّل الآيات ظُهورًا خروجُ الدجّال، ثم نزول عيسى ابن مَرْيَم، ثم فتحُ يَأْجُوجَ ومأجوج، ثم خروجُ الدابّة، ثم طلوعُ الشمس من مغربها، قال: لأنها إذا طلعت من مغربها آمن مَنْ عَليْهَا، فلو كان نزول عيسى ابن مريم بعدَها، لم يلق كافرًا. وهذا الذي قاله فيه نظر، لأنّ إيمانَ أهل الأرض يَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُهُمْ، فإنه لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمنَتْ مِنْ قَبْلُ، فمن أحدث إيمانًا، أو تَوْبةً يوْمئِذٍ، لم تُقبل منه، إلا أن يكون مؤْمِنًا، أو تائبًا قبلَ ذلك، وكذلك قوله تعالى في قصة نزول عيسى في آخر الزمان: ﴿وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا ليُؤمِنن بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ [النساء: ١٥٩] أي قَبْل مَوْتِ عيسى، وبعد نزوله يؤمِنُ جميعُ أهل الكتاب به إيمانًا ضروريًا، بمعنى أنّهم يَتَحَقّقون أنّه عبدُ اللَّه ورسوله، فالنصرانيُّ يَعلَمُ كَذِبَ نَفسِه في دَعْواه فيه الربُوبيةَ والبُنُوّة، واليهوديّ يعلم أنه نَبِيّ رسول من اللَّه، لا وَلَدُ زَنية، كما كان المُجرمون منهم يَزْعمونَ ذلك، عليهم لعائن اللَّه وغضبه المُتَدارِكُ.

ذكر الدُّخَان الذي يكون قبل يوم القيامة

قال اللَّه تعالى: ﴿فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (١٠) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (١١) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (١٢) أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (١٣) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (١٤) إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (١٥) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ﴾ [الدخان: ١٠ - ١٦].

وقد تكلّمنا على تفسير هذه الآيات في سورة الدخان بما فيه كفاية ومَقْنَعٌ.

وقد نَقَل البخاريّ، عن ابن مسعود، أنّه فسّر ذلك بما كان يَحْصُل لقُرَيْشٍ مِنْ شِدّةِ الجُوع، بسبب القَحْط الذي دعا عليهم به رسولُ اللَّه ، فكان أحدُهم يَرَى فيما بينه وبين السماء دُخَانًا من شدّة الجوع. وهذا التفسير غريب جدًّا، ولم يُنْقَلْ مِثلُه عن أَحَدٍ من الصحابة غيرِه (١).

وقد حاول بعضُ العلماء المُتأخّرين ردّ ذلك، ومعارضَتَه بما ثَبَت في حديث أبي سَرِيحةَ، حُذَيفةَ بن أَسِيدِ: "لا تقومُ الساعةُ حتّى تَرَوْا عَشْر آياتٍ. . . " فذكر فيهنّ الدخّان. وكذلك في حديث


(١) رواه البخاري رقم (٤٨٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>