للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= هؤلاء كثير، ولم يقل أهل العلم واللب في هؤلاء (كذا وكان ثمة سقط) وأما الأنبياء فقتلهم الكفار، وكذلك الصحابة الذين استشهدوا قتلهم الكفار، وعثمان وعلي والحسين ونحوهم قتلهم الخوارج البغاة، لم يقتلوا بحكم الشرع على مذاهب فقهاء أئمة الدين كمالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد وغيرهم، فإن أئمة الدين متفقون على تحريم دماء هؤلاء، وهم متفقون على حل دم الحلاج وأمثاله.
الوجه الثاني: إن الاطلاع على أولياء اللّه لا يكون إِلَّا ممن يعرف طريق الولاية، وهو الإيمان والتقوى، ومن أعظم الإيمان والتقوى أن يجتنب مقالة أهل الإلحاد، كأهل الحلول والاتحاد، فمن وافق الحلاج على مثل هذه المقالة لم يكن عارفًا بالإيمان والتقوى، فلا يكون عارفًا بطريق أولياء اللّه، فلا يجوز أن يميز بين أولياء اللّه وغيرهم.
الثالث: أن هذا القائل قد أخبر أنه يوافقه على مقالته، فيكون من جنسه، فشهادته له بالولاية شهادة لنفسه، كشهادة اليهودي والنصراني والرافضي لنفسه أنه على الحق، وشهادة المرء نفسه فيما لا يعلم فيه كذبه ولا صدقه مردودة، فكيف تكون شهادته لنفسه ولطائفته الذين ثبت بالكتاب والسُّنة والإجماع أنهم أهل ضلال.
الرابع: إن ما يقال إما كون الحلاج عند الموت تاب فيما بينه وبين اللّه، أو لم يتب، فهذا غيب يعلمه اللّه. وأما كونه إنما كان يتكلم بهذا عند الاصطلام، فليس كذلك، بل كان يصنف الكتب، ويقوله وهو حاضر يقظان، وقد تقدم أن غيبة العقل تكون عذرًا في الباطن وإن لم تكن عذرًا في الظاهر، فهذا لو فرض لم يجز أن يقال قتل ظلمًا، ولا يقال إنه موافق له على اعتقاده، ولا يشهد بما لا يعلم، فكيف إذا كان الأمر بخلاف ذلك؟ وغاية المسلم المؤمن إذا عذر الحلاج أو يدعي فيه الاصطلام أو الشبهة، فإما أن يوافقه على ما قيل عليه، فهذا حال أهل الزندقة والإلحاد، وكذلك من لم يجوِّز قتل مثله فهو مارق من دين الإسلام، ونحن إنما علينا أن نعرف التوحيد الذي أمرنا به، ونعرف طريق الله [الذي] أمرنا به، وقد علمنا بكلاهما أن ما قاله الحلاج باطل، وأنه يجب قتل مثله، وأما نفس الشخص المعين، هل كان في الباطن له أمر يغفر الله له به، من توبةٍ أو غيرها؟ فهذا أمره إلى اللّه، ولا حاجة إلى العلم بحقيقة ذلك، والله أعلم.
وسئل أيضًا عمن يعتقد أن كرامات الأولياء حق، وأن منهم من يكاشف ماضي ومستقبل، فهل هذا الاعتقاد صحيح أو لا؟.
أجاب: كرامات الأولياء حق باتفاق أئمة أهل الإسلام والسنة والجماعة، وقد دلَّ عليها القرآن في غير موضع، والأحاديث الصحيحة والآثار المتواترة عن الصحابة والتابعين وغيرهم، وإنما أنكرها أهل البدع من المعتزلة والجهمية ومن تابعهم. وأما أئمة الإسلام وشيوخه المقبولون عند اللّه فلم ينكروها، لكن كثير ممن يدعيها أو تدعى له يكون كذابًا، أو ملبوسًا عليه، وأيضًا فإنها لا تدلُّ على عصمة صاحبها ولا على وجوب اتباعه في كل ما يقول، بل قد تصدر بعض الخوارق من الكشف وغيره عن بعض الكفار من المشركين وأهل الكتاب، ومن هو شر منه، كما بينت في الصحيح أن الدَّخال يقول للسماء: أمطري، فتمطر. ويقول للأرض: أنبتي، فتنبت، وأنه يقتل واحدًا، ثم يحيا، وأنه يخرج خلفه كنوز الذهب والفضة، ولهذا اتفق أئمة الدين على أن الرجل لو طار في الهواء، أو مشى على الماء، لم يغترَّ به حتى ننظر وقوفه عند الأمر والنهي الذي بعث اللّه به رسوله ، وهذه جملة مختصرة مفصلة مبسوطة في غير هذا الموضع، واللّه أعلم.

مسألة أيضًا
سئل عنها شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن تيمية في الحلاج، هل كان صدِّيقًا أو زنديقًا؟ وهل كان من أولياء اللّه المتقين، وله حال رحماني، أو من إخوان الشياطين، وله حال شيطاني؟ وهل قتل على الزندقة بمحضر من علماء المسلمين، أو قتل ظلمًا؟ وماذا قالت العلماء في ذلك؟ =

<<  <  ج: ص:  >  >>