للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: فكان ذلك آخرَ العهد به. وقول الصحابي مقدّمٌ على قولِ التابعي واللَّه أعلمُ.

والمقصودُ أنَّ رسولَ اللَّه قدَّم أبا بكر الصديق إمامًا للصحابة كلهم في الصلاة التي هي أكبر أركان الإسلام العملية.

قال الشيخ أبو الحسن الأشعري: وتقديمُه له أمرٌ معلومٌ بالضَّرورة من دين الإسلام. قال: وتقديمه له دليلٌ على أنه أعلمُ الصحابةِ وأقْرؤُهم؛ لما ثَبَتَ في الخبر المُتَّفَقِ على صحته بين العلماء: أنَّ رسولَ اللَّه قال (١): "يَؤُمُّ القَوْمَ أقْرَؤُهُم لكتاب اللَّه، فإن كانوا في القِراءَةِ سواءٌ فأَعْلَمُهم بالسُّنَّةِ، فإن كانوا في السُّنَّة سواء فأكْبَرُهم سِنًّا، فإن كانوا في السِّنّ سواءً فأقْدَمُهُمْ سِلْمًا". قلت: وهذا من كلام الأشعري، ، مما ينبغي أن يكتبَ بماءِ الذَّهَب، ثم قد اجتمعتْ هذه الصفات كلُّها في الصديق، وأرضاه، وصلاة الرسول خلفه في بعض الصَّلواتِ، كما قدَّمنا بذلك الرِّواياتِ الصَّحيحة لا يُنافي ما رُوي في "الصحيح" أنَّ أبا بكر ائتَمَّ به ؛ لأنَّ ذلك في صلاةٍ أُخرى، كما نصَّ على ذلك الشافعيُّ وغيره من الأئمة، ﷿.

[فائدة]

استدلَّ مالكٌ والشافعيُّ وجماعةٌ من العلماء (ومنهم البخاري) (٢) بصلاتِه، ، قاعدًا وأبو بكر مُقْتَديًا به قائمًا، والناس بأبي بكر على نسخ قوله في الحديث المُتَّفقِ عليه (٣) حين صلّى ببعض أصحابه قاعدًا. وقد وقع عن فرسٍ فَجُحِش (٤) شِقُّه، فصلوا وراء (٥) قيامًا (٦) فأشار إليهم أن اجلسوا فلمّا انصرفَ. قال: كذلك والذي نَفْسي بيدِه تفعلون كَفِعْلِ فارس والروم، يقومون على عظمائهم وهم جلوس. وقال (٧): "إنما جُعِلَ الإمام ليُؤْتَمّ به، فإذا كَبَّر فكَبِّرُوا، وإذا ركَع فاركعوا، وإذا رَفَع فارفَعوا، وإذا سَجَدَ فاسْجُدوا، وإذا صَلَّى جالسًا فَصَلُّوا جُلوسًا أجمعون". قالوا: ثم إنّه ، أَمَّهم قاعدًا وهم قيام في مرض الموت، فدل على نَسْخِ ما تَقَدَّم. واللَّه أعلم.

وقد تنوعت مسألك الناس في الجواب عن هذا الاستدلال على وجوه كثيرة، موضعُ ذِكرها كتاب "الأحكام الكبير" إن شاء اللَّه، وبه الثقةُ وعليه التُّكْلان.


(١) مسلم (٦٧٣).
(٢) ليس ما بين القوسين في أ.
(٣) البخاري (٣٧٨، ٦٨٩، ٧٣٢، ٧٣٣)، ومسلم (٤١١، ٤١٣).
(٤) جُحِش: خُدِش جلده (النهاية: جحش).
(٥) أ: (وراءهم).
(٦) ليس اللفظ في ط.
(٧) فتح الباري (٦٨٩ و ٥٦٥٨).