للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقال: إنه إنما أراد بهذا الصنيع التشنيع على المستكفي بالله، فالله أعلم. وستأتي ترجمته إذا ذكرنا وفاته.

خلافة الرَّاضي بالله أبي العَبَّاس محمد (١) بن المقتدر بالله

لما خلعتِ الجندُ القاهر، وسملوه، أحضروا أبا العبَّاس محمد بن المقتدر بالله، فبايعوه على الخلافة ولقبوه الرَّاضي بالله. وكان أبو بكر الصُّولي قد أشار بأن يلقب بالمرتضي بالله (٢) فلم يقبل، وعدل إلى هذا اللقب، وذلك يوم الأربعاء لستٍّ خلون من جمادى الأولى من هذه السنة - أعني سنة ثنتين وعشرين وثلاثمثة - وجاؤوا بالقاهر وهو أعمى قد سُمِلَتْ عيناه، فأوقف بين يديه، فَسَلَّم عليه بالخلافة وسلَّمها إليه، فقام الراضي بأعبائها، وكان من خيار الخلفاء على ما سنذكره. وأمر بإحضار أبي علي بن مُقْلة فولَّاه الوزارة، وجعل عليَّ بن عيسى ناظرًا عليه، وأطلق كل منْ كان في حبس القاهر، واستدعى عيسى طبيب القاهر فصادره بمئتي ألف دينار، وتسلَّم منه الوديعة التي كان القاهر أودعها عنده، وكانت جملة مستكثرة من الذهب والفِضَّة والنفائس.

وفي هذه السنة عَظُمَ أمر مَرْدَاويج بأصبهان، وتحدث الناس أنه يريد قَصْدَ بغداد، وأنه ممالئ لصَاحب البحرين (٣) [أمير القرامطة] (٤) وقد اتفقا على رَدّ الدَّوْلة من العرب إلى العَجَم، وأساء السيرة في رعيته، لاسيما في خواصه من الأتراك؛ فتمالؤوا على قتله فقتلوه، وكان القائم بأعباء ذلك أخص مماليكه وأحظاهم عنده، وهو بُجْكُمْ بيَّض الله وجهه، وهذا الأمير هو الذي استنقذ الحجر الأسود من أيدي القرامطة، وافتداه منهم بخمسين ألف دينار، بذلها لهم حتى ردُّوه إلى مكة، كما سيأتي (٥).

ولما قُتِلَ مَرْدَاويج بن زيَّار الدَّيْلَمي عَظُمَ أمر علي بن بُوَيْه، وارتفع قدرُه بين النَّاس، وعلا شأنه في الملوك، وسيأتي ما آل إليه حاله.

ولما خُلِعَ القاهر وولي الراضي طَمِعَ هارون بن غريب في الخلافة (٦)، لكونه ابن خال المقتدر،


(١) في بعض المصادر: أحمد.
(٢) في (ط) والنسخ الخطية: المرضي بالله، والمثبت من أخبار الراضي والمتقي للصولي (ص ٢ - ٤).
(٣) يعني أبا طاهر القرمطي.
(٤) ما بين حاصرتين من (ط).
(٥) من المعروف أن القرامطة أبوا أن يردوا الحجر الأسود لقاء ما دفعه لهم بجكم، وقالوا: أخذناه بأمر وما نرده إلا بأمر، ويعنون بذلك أنهم أخذوه بأمر صاحب مصر العبيدي، وقد ردوه سنة (٣٣٩ هـ) كما سيأتي في أحداث ذلك العام.
(٦) لا يمكن أن يطمع بالخلافة لأنه ليس من نسل العباسيين، والأصح أنه طمع بإمرة الأمراء، وهي ما عبر عنه ابن الأثير بالدولة، الكامل (٨/ ٢٨٨ - ٢٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>