للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الذي جعلَ سيفَ كسرى فيما يضره ولا ينفعه. ثم قال: إن قومًا أدَّوْا هذا لأُمَناءُ، أو لذووا أمانة. ثم قال: إنَّ كسرى لم يزدْ على أن تشاغلَ بما أوتي عن آخرته فجمع لزوج امرأته، أو زوج ابنته، ولم يقدّم لنفسه، ولو قدَّم لنفسه ووضع الفضول في مواضعها لحصلَ له. وقد قال بعض المسلمين وهو أبو نجيد (١) نافع بن الأسود (في ذلك) (٢): [من الخفيف]

وأَسَلْنا (٣) على المدائن (٤) خيلًا … بحرُها مثلُ بَرِّهنّ أريضا

فانتثلنا (٥) خزائن المرءِ كسرى … يوم ولّوا وحاصَ منا جريضا

وقعة جلولاء (٦)

لما سار كسرى وهو يَزْدَجِرْد بن شهريار من المدائن هاربًا إلى حلوان شرعَ في أثناء الطريق في جمع رجال وأعوان وجنود، من البلدان التي هناك، فاجتمع إليه خلقٌ كثير، وجم غفير من الفرس وأمَّرَ على الجميع مهران، وسار كسرى إلى حلوان (٧) فاقام (٨) الجمع الذي جمعه بينه وبين المسلمين في جلولاء، واحتفروا خندقًا عظيمًا حولها، وأقاموا بها في العَدد والعُدد (٩) وآلات الحصار، فكتب سعد إلى عمر يخبره بذلك. فكتب إليه عمر أن يقيم هو بالمدائن ويبعث ابن أخيه هاشم بن عتبة (أميرًا على الجيش الذي يبعثه إلى كسرى، ويكون على المقدمة القعقاع) بن عمرو، وعلى الميمنة سعد بن مالك وعلى الميسرة أخوه عمر بن مالك، وعلى الساقة عمرو بن مرة الجُهني. ففعل سعد ذلك وبعث مع ابن أخيه جيشًا كثيفًا يقارب اثني عشر ألفًا. من سادات المسلمين ووجوه المهاجرين والأنصار، ورؤوس العرب. وذلك في صفر من هذه السنة بعد فراغهم من أمر المدائن، فساروا حتى انتهوا إلى المجوس وهم بجلولاء قد خندقوا عليهم، فحاصرهم هاشم بن عتبة، وكانوا يخرجون من بلدهم للقتال في كل وقت فيقاتلون قتالًا لم يُسمع بمثله. وجعل كسرى يبعث إليهم الأمداد، وكذلك سعد يبعث المددَ إلى ابن أخيه، مرةً بعد أخرى، وحمي القتالُ، واشتد النزالُ، واضطرمت نار الحرب، وقام في الناس هاشمٌ فخطبهم غيرَ


(١) في تاريخ الطبري: أبو بجيد - بالباء - وتحتمل الوجهين في أ.
(٢) البيتان في تاريخ الطبري (٤/ ١٠).
(٣) في أ: وأملننا، وفي ط: وأملنا. وما هنا عن تاريخ الطبري والكامل (٣/ ٥١٤).
(٤) في أ: على الخزائن خيلًا نحرها.
(٥) في ط: فانتشلنا.
(٦) جَلولاء: بالمد: طسوج من طساسيج السواد في طريق خراسان، بينها وبين خانقين سبعة فراسخ، بها كانت الوقعة المشهورة على الفرس للمسلمين سنة ١٦، فاستباحهم المسلمون، فسميت جلولاء الوقيعة لما أوقع بهم المسلمون معجم البلدان (٢/ ١٥٦).
(٧) حلوان العراق: موضع في آخر حدود السواد فما يلي الجبال من بغداد. معجم البلدان (٢/ ٢٩٠).
(٨) في أ: وأقام.
(٩) في أ: في العدد والعديد.