للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فيها أفضل من عبادة ألف شهر سواها. وهؤلاء أصحاب محمد أنفقوا في أوقاتٍ لو أنفقه غيرُهم من الذهب مثل أُحُدٍ ما بلغ مُدَّ أَحَدِهم ولا نَصيفهُ (١) من تمر. وهذا رسول الله بعثه الله على رأس أربعين سنة (٢) من عمره، وقَبَضَه وهو ابن ثلاثٍ وستين (٣) على المشهور، وقد برز في هذه المدة التي هي ثلاث وعشرون سنةً في العلوم النافعة والأعمال الصالحة على سائر الأنبياء قبله، حتى على نوحٍ الذي لبث في قومه ألف سنةٍ إلا خمسين عامًا يدعوهم إلى عبادة الله وحدَه لا شريك له، ويعمل بطاعة الله ليلًا ونهارًا، صباحًا ومساءً، صلواتُ الله وسلامُه عليه وعلى سائر الأنبياء أجمعين. فهذه الأمة إنما شُرِّفت وتضاعف ثوابُها ببركة سيادة نبيّها وشرفِه وعَظَمته، كما قال الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٨) لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ [الحديد: ٣٨: ٣٩].

* * *

[فصل]

وأخبارُ بني إسرائيل كثيرةٌ جدًا في الكتاب وفي السنة (٤) النبوية، ولو ذهبنا نتقصَّى ذلك لطال الكتابُ، ولكن ذكرنا ما ذكره الإمام أبو عبد الله البخاري في هذا الكتاب (٥)، ففيه مَقنَعٌ وكفايةٌ، وهو تذكرة وأُنموذج لهذا الباب والله أعلم.

وأما الأخبار الإسرائيلية فيما يذكره كثيرٌ من المفسرين والمؤرخين، فكثيرةٌ جدًا، ومنها ما هو صحيح موافق لما وقَعَ، وكثيرٌ منها بل أكثرُها مما يذكره القصَّاص مكذوبٌ مفترًى وضعه زنادقتُهم وضُلَّالُهم، وهي ثلاثة أقسام: منها ما هو صحيح، لموافقته ما قصَّه اللهُ في كتابه أو أخبرَ به رسولُ الله . ومنها ما هو معلوم البُطلان؛ لمخالفته كتاب الله وسُنة رسوله. ومنها ما يحتمل الصدق والكذب، فهذا الذي


(١) النصيف: النصف، وقيل مكيال دون المد. وكلام المؤلف هنا مأخوذ من حديث رواه البخاري: رقم (٣٦٧٣)، في فضائل الصحابة، باب قول النبي : "لو كنت متخذًا خليلًا". ولفظه:"لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحُدٍ ذهبًا ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نَصِيفَهُ". ورواه مسلم (٢٥٤٠) و (٢٥٤١) في فضائل الصحابة، باب تحريم سب الصحابة.
(٢) ليست في ب.
(٣) زاد في ب: سنة.
(٤) في ط: والسنة.
(٥) صحيح البخاري (٦/ ٤٩٤)، وما بعدها، في الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل، ولم يأت به كله.