للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بدَّلوا دينهم وحرَّفوه وأوَّلوه حتى صار كأنه غير ما شُرع لهم أولًا. ثمّ هو بعد ذلك كلّه منسوخ والتمسك (١) بالمنسوخ حرامٌ لا يَقْبَلُ اللهُ منه قليلًا ولا كثيرًا، ولا فرق بينه وبين الذي لم يُشْرَع بالكلية.

والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

حديث آخر:

قال البخاري (٢): حدّثنا قُتَيبة، حدّثنا اللَّيثُ، عن نافع، عن ابن عمر، عن رسول الله قال: "إنما أجَلُكم في أجل من خَلا (٣) من الأمم كما بين صلاة العصر إلى مغرب الشمس. وإنما مثلكم ومثل اليهود والنصارى كرجُل استعملَ عُمَّالًا فقال: مَن يَعملُ لي إلى نصفِ النهار على قيراط قيراطٍ؟ فعملت اليهود إلى نصف النهار على قيراطٍ قيراطٍ. ثمّ قال: مَن يعملُ لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراطٍ؟ فعملت النصارى من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط. ثمّ قال: مَن يعمل لي من صلاة العصر إلى مغرب الشمس على قيراطين قيراطين؟ ألا فأنتم الذين يعملون من صلاة العصر إلى مغرب الشمس (٤) على قيراطين قيراطين. ألا لكم الأجرُ مرَّتين. فغضب اليهودُ والنصارى، فقالوا: نحن أكثر عملًا وأقل عطاءً؟ قال الله تعالى: هل ظُلِمتم من حقّكم شيئًا؟ فقالوا: لا. قال: فإنه فَضْلي أوتيه من شئت (٥) ".

وهذا الحديث فيه دليل على أن مدّة هذه الأمة قصيرةٌ بالنسبة إلى ما مضى من مدد الأمم قبلها، لقوله: "إنما أجلكم في أجل من خلا من الأمم قبلكم كما بين صلاة العصر إلى مغرب الشمس"، فالماضي لا يعلمه إلا الله، كما أن الآتي لا يعلمه إلا هو، ولكنه قصيرٌ بالنسبة إلى ما سبق، ولا اطّلاع لأحدٍ على تحديد ما بقي إلا الله ﷿ كما قال الله تعالى: ﴿لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ﴾ [الأعراف:١٨٧]، وقال: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (٤٢) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (٤٣) إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا﴾ [النازعات: ٤٢:٤٤]. وما يذكره بعض الناس من الحديث المشهور عند العامة من أنه لا يؤلف تحت الأرض، فليس له أصل في كتب الحديث، وورد حديث فيه (٦) أن الدنيا جمعة من جمع الآخرة. وفي صحته نظر.

والمراد من هذا التشبيهِ بالعمالِ تفاوتُ أجورِهم، وأن ذلك ليس منوطًا بكثرة العمل وفِقَثه، بل بأمور أُخَرَ معتبرةٍ عند الله تعالى، وكم من عمل قليلٍ أجدى ما لا يجديه العمل الكثير، هذه ليلة القدر العمل


(١) في ب: والعمل.
(٢) صحيح البخاري رقم (٣٤٥٩)، في الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل.
(٣) زاد في ط: من قبلكم، وليست في البخاري.
(٤) في ط: إلى المغرب.
(٥) في ط: من أشاء، وما أثبتناه موافق لرواية البخاري.
(٦) من ب، وفي ط: فيه حديث.