للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُنْزِفُونَ﴾ [الواقعة: ١٧ - ١٩] أيْ لا تُورِثُ لهُمْ صُداعًا في رؤوسهم، ولا تُنْزِفُ عُقُولَهُمْ.

[وقال في الآية الأخرى: ﴿يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (٢٥) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (٢٦) وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (٢٧) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ﴾ [المطففين: ٢٥ - ٢٨]].

وَقَدْ ذَكَزنا في "التَّفْسيرِ" عنِ عَبْدِ اللّهِ بنِ مَسْعُودٍ: إن الْجَمَاعَةَ مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ لَيَجْتَمعُونَ على شَرَابِهمْ كما يَجْتَمِعُ أهْلُ الدُّنْيا، فتَمرُّ بهم السَّحَابةُ، فتقول: ما تريدون أن أُمطركم، فلا يَشاؤونَ شَيْئًا إلَا أمْطَرَتْ عَلَيْهمْ، حتَّى إنَّ مِنْهُمْ منْ يَقُولُ: أمْطِرينا كَواعِبَ أتْرابًا، فتُمْطِرُهُمْ كَوَاعِبَ أتْرَابًا (١).

وتقدَّمِ أنهُمْ يَجْتَمعُونَ عِنْدَ شَجَرَةِ طُوبى، فيَذْكُرُونَ لَهْوَ الدُّنْيا، [وهُوَ الطَّرَبُ]، فيَبْعَثُ اللّهُ ريحًا منَ الجَنَّةِ فتُحَرِّكُ تِلْكَ الشّجَرَةَ بكلِّ لَهْوٍ كانَ في الدُّنْيا.

وفي بَعْضِ الآثَارِ: إنَّ الْجَماعةَ منْ أهْلِ الْجَنَّةِ لَيَجْتَازُونَ وهُمْ رُكْبانٌ [سائرون] صفًّا واحدًا، فلا يمرُّون بشجرة من أشجار الجنة، إلا تنحَّت عن طريقهم [لئلا تثلم صفهم وتُفَرِّقَ بَيْنَهُمْ]، وتتحفهِم من ثمرها، وهَذا كُلُّهُ منْ فَضْلِ اللّهِ عَلَيْهمْ، وَرَحْمَتِهِ بهمْ، فلَهُ الْحَمْدُ والمِنَّةُ، وذلك قوله: ﴿رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا﴾ [الإنسان: ٢٠]

والأكْوابُ هيَ الكِيزانُ الَّتي لا عُرَى لها ولا خَرَاطيمَ، والأباريقُ [بِخلافِها] لها عُرى وخراطيم، والْكأسُ هُوَ الْقَدَحُ فيهِ الشرابُ، وقال الله تعالى: ﴿وَكَأْسًا دِهَاقًا﴾ [النبأ: ٣٤] أيْ ملأى مُتْرَعةً، لَيْس فيها نَقْصٌ، ﴿لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا﴾ [النبأ: ٣٥] أيْ لا يَصْدُرُ منْهُمْ على شَرَابهمْ شَيْءٌ منَ اللَّغوِ، وهُوَ الكلامُ السَّاقطُ التّافِهُ، ولا تَكْذيبٌ لِبَعْضِهمْ بَعْضًا، كما يَصْدُرُ منْ شَرَبةِ الدُّنيا، كما قال تعالى: ﴿لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا﴾ [مريم: ٦٢] وقال: ﴿لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (٢٥) إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا﴾ [الواقعة: ٢٥ - ٢٦]، وقال: ﴿لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً﴾ [الغاشية: ١١].

وثبت في " الصَّحيحين " عن حُذَيْفةَ، قال: قال رسولُ الله : " لا تَشربُوا في آنِيَةِ الذهَبِ والفِضَّةِ، ولا تَأكُلُوا في صِحَافها، فإنّها لهم في الدُّنْيا ولكم في الآخرة (٢).

ذِكْر لباس أهل الجنة فيها وحِلْيتهم وصفات ثيابهم نسأل الله من فضله

قال الله تعالى: ﴿عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (٢١) إِنَّ هَذَا كَانَ


(١) ذكره المؤلف في سورة النبأ عند قوله تعالى: ﴿وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا﴾ [النبأ: ٣٣] عن أبي أمامة، لا عن ابن مسعود.
(٢) رواه البخاري رقم (٥٤٢٦) ومسلم (٢٠٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>