للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد قال الإمام أحمد (١): ثنا أبو عامرٍ عبد الملك بن عمرو، ثنا المغيرة بن عبد الرحمن، عن أبي الزِّناد، حدَّثني المرقَّع بن صيفيٍّ، عن جدِّه رباح بن ربيعٍ أخي حنظلة الكاتب أنه أخبره أنه خرج مع رسول الله في غزوةٍ غزاها، وعلى مقدِّمته خالد بن الوليد، فمرَّ رباحٌ وأصحاب رسول الله على امرأةٍ مقتولةٍ مما أصابت المقدِّمة، فوقفوا ينظرون إليها ويتعجَّبون من خلقها حتى لحقهم رسول الله على راحلته، فانفرجوا عنها، فوقف عليها رسول الله فقال: "ما كانت هذه لتقاتل". فقال لأحدهم: "الحق خالدًا فقل له: لا تقتلنَّ ذرِّيَّةً ولا عسيفًا".

وكذلك رواه أبو داود، والنسائيُّ، وابن ماجه (٢) من حديث المرقَّع بن صيفيٍّ به نحوه.

* * *

سريّة أوطاسٍ (٣)

وكان سببها أن هَوَازن لما انهزمت ذهبت فرقةٌ منهم، فيهم الرئيس مالك بن عوفٍ النصريُّ، فلجؤوا إلى الطائف فتحصَّنوا بها، وسارت فرقةٌ فعسكروا بمكانٍ يقال له: أوطاسٌ. فبعث إليهم رسول الله سريةً من أصحابه، عليهم أبو عامرٍ الأشعريُّ، فقاتلوهم فغلبوهم، ثم سار رسول الله بنفسه الكريمة، فحاصر أهل الطائف كما سيأتي.

قال ابن إسحاق (٤): ولما انهزم المشركون يوم حُنينٍ، أتوا الطَّائف ومعهم مالك بن عوفٍ، وعسكر بعضهم بأوطاسٍ، وتوجَّه بعضهم نحو نخلةَ، ولم يكن فيمن توجَّه نحو نخلة إلا بنو غيرة من ثقيفٍ، وتبعت خيل رسول الله من سلك في نخلة من الناس، ولم تتبع من سلك الثَّنايا. قال: فأدرك ربيعة بن رفيع بن أهبان السُّلميُّ -ويعرف بابن الدُّغُنَّة (٥)، وهي أمُّه- دريد بن الصِّمَّة، فأخذ بخطام جمله وهو يظنُّ أنه امرأةٌ، وذلك أنه في شجارٍ له، فإذا برجل، فأناخ به، فإذا شيخٌ كبيرٌ، وإذا دُريد بن الصّمَّة، ولا يعرفه الغلام، فقال له دريدٌ: ماذا تريد بي؟ قال: أقتلك. قال: ومن أنت؟ قال: أنا ربيعة بن رفيع السُّلميُّ. ثم ضربه بسيفه، فلم يغن شيئًا، قال: بئس ما سلَّحتْك أمُّك، خذ سيفي هذا من مؤخَّر رحلي في الشِّجار، ثم اضرب به، وارفع عن العظام واخفض عن الدِّماغ، فإني كذلك كنت


(١) رواه أحمد في "المسند" (٣/ ٤٨٨)، وإسناده حسن.
(٢) رواه أبو داود رقم (٢٦٦٩) والنسائي في "السنن الكبرى" رقم (٨٦٢٥) و (٨٦٢٦) وابن ماجه رقم (٢٨٤٢)، وهو حديث حسن.
(٣) أوطاس: وادٍ في ديار هوازن. انظر "مراصد الاطلاع" (١/ ١٣٢).
(٤) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٤٥٣).
(٥) ويقال: بفتح الدال، وكسر الغين وتخفيف النون.