للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجه التقريع والتوبيخ، وهو المقبوح المنبوح (١) الذَّميم اللَّئيم: ﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ﴾ [الدخان: ٤٩].

والظّاهر من هذه السياقات (٢) أن فرعون لعنه الله، صلبهم وعذَّبهم، . قال عبد الله بن عباس، وعُبيد بن عُمير: كانوا من أوّل النّهار سَحَرة فصاروا من آخره شهداء بَرَرة. ويؤيّد هذا قولهم: ﴿رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ﴾.

* * *

فصل

ولمَّا وقع ما وقع من الأمر العظيم، وهو الغَلَبُ الذي غُلِبَتْهُ القِبط في ذلك الموقف الهائل، وأسلم السَّحَرة الذين استنصروا بهم (٣)، لم يزِدْهم ذلك إلا كُفرًا وعِنادًا وبُعدًا عن الحق.

قال الله تعالى بعد قَصَصِ ما تقدَّم في سورة الأعراف: ﴿وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (١٢٧) قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (١٢٨) قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾ [الآيات: ١٢٧ - ١٢٩].

يخبر عَنِ الملأ من قوم فرعون، وهم الأمراء والكبراء، أنّهم حَرَّضوا ملِكهم فرعون على أذيّة نبى الله موسى ، ومقابلته بدل التصديق بما جاء به بالكفر والردِّ والأذى فقالوا: ﴿أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ﴾ يعنون -قَبَّحهم اللهُ- أن دعوته إلى عبادة الله وحده لا شريك له، والنهيَ عن عبادة ما سواه، فسادٌ بالنسبة إلى اعتقاد القِبط، لعنهم الله. وقرأ بعضهم (٤):


(١) المنبوح: المشتوم. يقال: نبحتني كلابك: أي لحقتني شتائمك. وأصلِه من نباح الكلب، وهو صياحه. اللسان.
(٢) في ب: الآيات.
(٣) في ط: استنصروا ربهم. وهو خطأ. وقراءة نافع وابن كثير: ﴿سَنَقْتُلُ﴾ بالتخفيف. حجة القراءات: (٢٩٤) والنشر (٢/ ٢٧١).
(٤) قال عبد الفتاح القاضي في القراءات الشاذة (ص ٤٨): وقرأ الحسنَ وابن محيصن: ﴿وإلهتك﴾، بكسر الهمزة وقصرها وفتح اللام وألف بعدها، فقيل: إنه مصدر بمعنى العبادة مضاف لمفعوله، أي: ويترك عبادته لك، وقيل: مصدر أريد به المفعول، أي: ويترك المعبود الذي تعبده. وكذا في: شواذ ابن خالويه (٤٥)، وتفسير الطبري (٩/ ١٧)، وفيه: والقراءة التي لا نرى القراءة بغيرها هي القراءة التي عليها قرّاء الأمصار، لاجماع الحجة من القرّاء عليها.