للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل في بعث قريشٍ إلى رسول اللَّه في فداء أسراهم

قال ابن إسحاق (١): وكان في الأسارى أبو وداعة بن ضُبيرة السّهميّ، فقال رسول اللَّه : "إنّ له بمكَّة ابنًا كيّسًا تاجرًا ذا مالٍ، وكأنّكم به قد جاء في طلب فداء أبيه". فلمّا قالت قريشٌ: لا تعجلوا بفداء أسراكم؛ لا يأرب عليكم محمدٌ وأصحابه. قال المطّلب بن أبي وداعة -وهو الذي كان رسول اللَّه عنى- صدقتم، لا تعجلوا، وانسلّ من الليل، وقدم المدينة، فأخذ أباه بأربعة آلاف درهمٍ، فانطلق به.

قلت: وكان هذا أول أسيرٍ فُدي، ثم بعثت قريشٌ في فداء أسراهم، فقدم مكرز بن حفص بن الأخيف في فداء سهيل بن عمرٍو، وكان الذي أسره مالك بن الدّخشم، أخو بني سالم بن عوفٍ، فقال في ذلك: [من المتقارب]

أسرتُ سُهيلًا فلا أبتغي … أسيرًا به من جميع الأُممْ

وخندف تعلم أن الفتى … فتاها سهيلٌ إذا يُظلمْ

ضربت بذي الشفر حتى انثنى … وأكرهت نفسي على ذي العلَمْ

قال ابن إسحاق (٢): وكان سهيلٌ رجلًا أعلَم (٣) من شفته السُّفْلى.

قال ابن إسحاق (٤): وحدثني محمد بن عمرو بن عطاءٍ أخو بني عامرٍ بن لؤيٍّ، أنّ عمر بن الخطَّاب قال لرسول اللَّه : دعني أنزع ثنيَّة سهيل بن عمروٍ يدلع لسانه، فلا يقوم عليك خطيبًا في موطنٍ أبدًا. فقال رسولُ اللَّه : "لا أمثّل به فيمثّل اللَّه بي وإن كنت نبيًّا".

قلت: وهذا حديثٌ مرسلٌ، بل معضلٌ.

قال ابن إسحاق (٥): وقد بلغني أنّ رسول اللَّه قال لعمر في هذا: "إنّه عسى أن يقوم مقامًا لا تذمّه".

قلت: وهذا هو المقام الذي قامه سهيلٌ بمكة، حين مات رسول اللَّه وارتدّ من ارتدّ من العرب، ونجم النّفاق بالمدينة وغيرها، فقام بمكة فخطب الناس، وثبّتهم على الدين الحنيف، كما سيأتي في موضعه.


(١) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (١/ ٦٤٨ - ٦٤٩).
(٢) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (١/ ٦٤٩).
(٣) الأعلم: المشقوق الشفة. "لسان العرب" (علم).
(٤) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (١/ ٦٤٩).
(٥) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (١/ ٦٤٩).