للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المعصوم. وأيضًا فإنَّ قولهم هذا يمكن الجمع بينه وبين ما في الحديث، فإن ما في التوراة إن كان محفوظًا محمولٌ على مدَّة مُقامه في الأرض بعد الإهباط، وذلك تسعمئة وثلاثون سنة شمسية، وهي بالقمرية تسعمئة وسبع وخمسون سنة، ويُضاف إلى ذلك ثلاث وأربعون سنة مُدَّة مقامه في الجنَّة قبلَ الإهباط على ما ذكرَه ابنُ جرير وغيره، فيكون الجميع ألف سنة.

وقال عطاء الخراساني: لما مات آدمُ بكتِ الخلائقُ عليه سبعةَ أيَّام. رواه ابن عساكر (١).

فلما ماتَ آدمُ قامَ بأعباء الأمر بعدَه ولدُه شيث ، وكان نبيًّا بنصِّ الحديث الذي رواه ابن حِبَّان في صحيحه (٢): عن أبي ذر، مرفوعًا: أنه أُنزلَ عليه خمسون صحيفة.

فلما حانتْ وفاتُه أوصى إلى ابنه "أنوش" فقامَ بالأمر بعدَه، ثم بعده ولده "قينن". ثم من بعده ابنه "مهلاييل" وهو الذي يزعمُ الأعاجم من الفرس أنه ملَكَ الأقاليمَ السبعة، وأنَّه أوَّلُ من قطعَ الأشجار، وبنى المدائن والحصون الكبار، وأنَّه هو الذي بنى مدينةَ بابل، ومدينة السوس الأقصى، وأنه قهرَ إبليسَ وجنودَه وشرَّدهم عن الأرض إلى أطرافها وشعاب جبالها، وأنه قتلَ خَلْقًا من مرَدة الجنِّ والغيلان، وكان له تاج عظيم، وكان يخطبُ النَّاس، ودامت دولتُه أربعينَ سنة.

فلما ماتَ قامَ بالأمر بعدَه ولدُه "يرد" فلما حضرتْه الوفاة أوصى إلى ولده "خنوخ" وهو إدريسُ ، على المشهور.

* * *

ذِكرُ إدريس

قال اللَّه تعالى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (٥٦) وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا﴾ [مريم: ٥٦ - ٥٧.] فإدريس قد أثنى اللَّه عليه ووصفَه بالنبوة والصِّدِّيقيَّة، وهو "خنوخ" هذا، وهو في عمود نسب رسول اللَّه على ما ذكرَه غير واحد من علماء النسب.

وكان أوَّل بني آدم أُعطي النبوة بعد آدمَ وشيث . وذكر ابن إسحاق: أنَّه أوَّلُ من خطَّ بالقلم، وقد أدرك من حياة آدم ثلاثمئة سنة وثماني سنين.

وقد قال طائفة من الناس: إنه المشار إليه في حديث معاوية بن الحكم السلمي، لما سألَ رسولَ اللَّه


(١) أخرجه ابن عساكر، كما في مختصر تاريخ دمشق؛ لابن منظور (١٤/ ٢٢٦).
(٢) تقدم الحديث وتخريجه.