ولَّاهُ هشام بنُ عبد الملك القضاءَ بعدَ عبد الرحمن بن الخشخاش العُذْري، ثم استعفى هشامًا فأعفاهُ، وولَّى مكانه يزيدَ بن عبد الرحمن بن أبي مالك، وكان نُمَيرٌ هذا لا يحكمُ باليمينِ مع الشاهد، وكان يقول: الأدَبُ من الآباء، والصلاحُ من الله.
وقال غيرُ واحد: تُوفِّي سنة إحدى وعشرين ومئة. وقيل: سنة ثنتين وعشرين ومئة. وقيل: سنة خمس عشرة ومئة - وهذا غريب جدًّا - واللّه سبحانه أعلم.
[ثم دخلت سنة ثنتين وعشرين ومئة]
ففيها كان مَقْتَلُ زيدِ بن عليِّ بنِ الحُسين بن عليِّ بن أبي طالب (١)، وكان سببُ ذلك أنَّه لمَّا أخذَ البَيْعَةَ مِمَنْ بايَعَهُ من أهلِ الكوفة أمرَهم في أَوَّلِ هذه السنةِ بالخُروجِ والتأهُّبِ له. فشرَعوا في أخْذِ الأُهْبَةِ لذلك، فانطلق رجلٌ يقالُ له سليمان بن سُرَاقة إلى يوسف بنِ عمر نائبِ العراق، فأخبره - وهو بالحِيرَةِ يومئذٍ - خبرَ زيدِ بن علي على هذا، وعندَ مَنْ يكونُ من أهلِ الكوفة، فبعثَ يوسفُ بن عمر يتطلَّبُه ويُلِحُّ في تطَلُّبِه، فلما علمتِ الشيعةُ ذلك اجتمعوا عند زَيد بن عليٍّ فقالوا له: ما قولُك - يرحمك الله - في أبي بكرٍ وعمر؟ فقال: غفر الله لهما، ما سمعتُ أحدًا من أهلِ بيتي تبرَّأ منهما، ولا يقولُ فيهما إِلَّا خيرًا. قالوا: فلم تطلُبْ إذًا بِدَمِ أهل البيت؛ فقال: إنَّا كُنَّا أحَقَّ الناسِ بإذا الأمر، ولكنَ القومَ استأثروا علينا به، ودفعونا عنه، ولم يبلُغْ ذلك عندنا بِهم كُفرًا، وقد وَلُّوا فعَدَلوا، وعمِلوا بالكتاب والسُّنَّة. قالوا: فلِمَ تُقاتِلُ هؤلاءِ إذًا؟ قال: إنَّ هؤلاء ليسوا كأولئك، إنَّ هؤلاء ظلموا الناسَ وظلموا أنفسَهم، وإني أدعو إلى كتابِ الله وسنةِ نبيه ﷺ، وإحياء السُّنَن، وإماتةِ البِدَع، فإن تسمعوا يَكُنْ خيرًا لكم ولي، وإن تابَوْا فلستُ عليكم بوَكِيل. فرفضوهُ وانصرفوا عنه، ونقَضُوا بيعتَه وتركوه. فلهذا سُمُّوا الرَّافِضَةَ يومئذٍ، ومَنْ تابعه من الناس على قولهِ سُمُّوا الزَّيْدِيَّة، وغالب أهلِ الكوفةِ منهم رافضة، وغالبُ أهلِ مكةَ إلى اليوم على مذهبِ الزَّيدية، وفي مذهبهم حق، وهو تَعْدِيلُ الشيخَيْن، وباطلٌ وهو اعتقادُ تقديمِ عليٍّ عليهما، وليس عليٌّ مقدَّمًا عليهما، بل ولا عثمان على أصَحِّ قَوْلَيْ أهلِ السنَّةِ الثابتة والآثار الصحيحة الثابتةِ عن الصحابة ﵃. وقد ذكرنا ذلك في سيرةِ أبي بكرٍ وعمر فيما تقدَّم. ثم إنَّ زيدًا عزَمَ على الخروج بِمَنْ بَقِيَ معه من أصحابهِ، فواعَدَهم ليلةَ الأربعاء مُستَهَلَّ صَفَر من هذه السنة، فبلغ ذلك يوسفَ بنَ عمر فكتب إلى نائبِهِ على الكوفة - وهو الحكم بن الصَّلتْ - يأمرُهُ بِجَمْعِ الناسِ كلِّهم في المسجدِ الجامع، فجمعَ الناسَ لذلك في يوم الثلاثاء سَلْخَ المحرَّم، قبلَ خروجِ زيدٍ بيوم، وخرج زيدٌ بِمَنْ معَهُ ليلةَ الأربعاء في بردٍ شديد، ورفع أصحابُهُ النِّيرانَ وجعلوا ينادُون، يا منصور، يا منصور، فلمَّا طلَعَ