للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يجعلني منهم فقال: "أنتِ من الأولين" (١) فكانت في هذه الغزوة وماتتْ بها، وكانت الثانية عبارة عن غزوة قسطنطينية بعد هذا كما سنذكره.

والمقصود أن معاوية ركب البحر في مراكب فقصد الجزيرة المعروفة بقبرص، ومعه جيش عظيم من المسلمين، وذلك بأمر عثمان بن عفان له في ذلك بعد سؤاله إياه، وقد كان سأل في ذلك عمر بن الخطاب فأبى أن يُمكِّنه من حمل المسلمين على هذا الخلق العظيم الذي لو اضطرب لهلكوا عن آخرهم، فلما كان عثمان لحَّ معاوية عليه في ذلك، فأذنَ له فركبَ في المراكب فانتهى إليها، ووافاه عبد الله بن سعد بن أبي سَرْح إليها من الجانب الآخر. فالتقيا على أهلها فقتلوا خلقًا كثيرًا، وسبَوْا سبايا كثيرة، وغنموا مالًا جزيلًا جيدًا، ولما جيء بالأسارى جعل أبو الدرداء يبكي، فقال له جُبَيْر بن نُفَيْر: أتبكي وهذا يوم أعزَّ الله فيه الإسلام وأهله؟ فقال: ويحك إن هذه كانت أمة قاهرة لهم ملك، فلما ضيَّعوا أمر الله صيَّرهم إلى ما ترى، سلّط الله عليهم السبي، وإذا سلِّط على قوم السبي فليس لله فيهم حاجة، وقال ما أهون العباد على الله تعالى إذا تركوا أمره؟! ثم صالحهم معاويةُ على سبعة آلاف دينار في كل سنة، وهادنهم، فلما أرادوا الخروج منها قُدمِّتْ لأم حرام بغلةٌ لتركبها فسقطت عنها فاندقت عنقها، فماتت هناك، فقبرها هنالك يُعظِّمونه ويستسقون به ويقولون قبر المرأة الصالحة.

قال الواقدي: وفي هذه السنة غزا حبيب بن مَسْلمة سوريةَ من أرض الروم. وتزوّج عثمان نائلة بنت الفُرافصة الكَلبية - وكانت نصرانية فأسلمت قبل أن يدخل (٢) بها.

وفيها بنى عثمان داره بالمدينة الزَّوراء.

وفيها حج بالناس أميرُ المؤمنين عثمان بن عفان .

ثم دخلت سنة تسعٍ وعشرين

ففيها (٣) عزلَ عثمان بن عفان أبا موسى الأشعري عن البصرة، بعد عمله ستَّ سنين، وقيل ثلاث، وأمَّر عليها عبد الله بن عامر بن كُرَيْز بن ربيعة بن حَبيب بن عَبْد شَمْسٍ، وهو ابن خال عثمان بن عفان، وجمع له بين جند أبي موسى وجند عثمان بن أبي العاص، وله من العمر خمس وعشرون سنة، فأقام بها ستَّ سنين. وفي هذه السنة افتتح عبد الله بن عامر فارسَ في قول الواقدي وأبي معشر. وزعم سيف أنه كان قبل هذه السنة، فالله أعلم.


(١) الحديث أخرجه أحمد (٦/ ٣٦١) والبخاري في صحيحه (٢٧٩٩) في الجهاد، ومسلم في صحيحه (١٩١٢) (١٦١) في الإمارة.
(٢) في أ: قبل الدخول بها.
(٣) في أ: فيها.