للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بقولك هذا أني لا أقتلك، ولست أقتلك، فاذهب حيث شئت لئلا تفسد عليَّ أصحابي، فذهب سراقة إلى البصرة إلى مصعب بن الزبير وجعل يقول:

ألا أبلغ (١) أبا إسحاقَ أني … رأيتُ البلقَ دهمًا مصمتاتِ

كفرتُ بوحيكم وجعلتُ نذرًا … عليَّ قتالكمْ حتى المماتِ

رأت عيناي (٢) ما لمْ تبصراهُ … كلانا عالمٌ بالتُّرَّهاتِ

إذا قالوا: أقولُ لهم كَذَبْتُمْ … وإنْ خرجوا لبسْتُ لهمْ أداتي

قالوا: ثم خطب المختار أصحابه فحرّضهم في خطبته تلك على من قتل الحسين من أهل الكوفة المقيمين بها، فقال: ما من ديننا ترك قومٍ (٣) قتلوا حسينًا يمشون في الدنيا أحياء آمنين، بئس ناصرو آل محمد إني إذًا كذاب كما سمَّيتموني أنتم، فإني باللَّه أستعين عليهم، فالحمد للَّه الذي جعلني سيفًا أضربهم، ورمحًا أطعنهم، وطالب وترهم، وقائمًا بحقهم، وإنه كان حقًّا على اللَّه أن يقتل من قتلهم، وأن يذل من جهل حقهم، فسِموهم ثم اتبعوهم حتى تقتلوهم، فإنه لا يسيغ لي الطعام والشراب حتى أطهر الأرض منهم، وأنفي من في المصر منهم. ثم جعل يتتبع من ذكر له منهم وهو بالكوفة -فيأتون بهم حتى يوقفوا بين يديه فيأمر بقتلهم على أنواع من القتلات مما يناسب ما فعلوا-، ومنهم من حَرَّقه بالنار، ومنهم من قطع أطرافه وتركه حتى مات، ومنهم من يُرْمى بالنبال حتى يموت [فأتوه بمالك بن بشر (٤) فقال له المختار: أنت الذي نزعت برنس الحسين عنه؟ فقال: خرجنا ونحن كارهون فامنن علينا، فقال: اقطعوا يديه ورجليه. ففعلوا به ذلك ثم تركوه يضطرب حتى مات، وقتل عبد اللَّه بن أسيد الجهني وغيره شر قتلة] (٥).

مقتل خولي بن يزيد الأصبحي الذي احتزّ رأس الحسين

بعث إليه المختار أبا عمرة صاحب حرسه، فكبس بيته فخرجت إليهم امرأته فسألوها عنه فقالت: لا أدري أين هو، وأشارت بيدها إلى المكان الذي هو مختفٍ فيه، -وكانت تبغضه من ليلة قدم برأس الحسين معه إليها، وكانت تلومه على ذلك- واسمها العَيُوف (٦) بنت مالك بن نهار بن عَقْرَب الحضرمي، فدخلوا عليه فوجدوه قد وضع على رأسه قوصرة (٧) فحملوه إلى المختار فأمر بقتله قريبًا من داره، وأن


(١) في ط: أخبر.
(٢) في ط: رأيت، وفي الطبري وابن الأثير: أري عينيَّ، والأبيات في ديوان سراقة (٧٨).
(٣) في أ، ط: فقالوا ما ذنبنا نترك أقوامًا. . .؛ ولا يستقيم المعنى، وما أثبت عن ب والطبري (٦/ ٥٧).
(٤) في الطبري: مالك بن النُّسير البدّي. وفي ابن الأثير (٤/ ٢٤٠): مالك بن بشير البَدّي.
(٥) ما بين معكوفين زيادة من ط. وهي موافقة للمصادر.
(٦) في ط: العبوق؛ تحريف.
(٧) القوصرة: وعاء التمر. القاموس (قصر).