للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال الواقدي عن إبراهيم بن إسماعيل، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه استشهد بقول صِرْمة:

ثَوَى في قريشٍ بضعَ عشرةً حجَّةً … يذكِّر لو يلقى صديقًا مواتيا

وهكذا رواهُ ابنُ جرير (١)، عن الحارث، عن محمد بن سعد، عن الواقدي خمسَ عشرةَ حجَّة، وهو قولٌ غريبٌ جدًا؛ وأغرب منه ما قال ابنُ جرير (٢):

حُدِّثت عن روح بن عبادة، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: نزل القرآنُ على رسولِ اللَّه ثمانيَ سنين بمكة، وعشرًا بالمدينة. وكان الحسن يقول: عشرًا بمكة، وعشرًا بالمدينة.

وهذا القول الآخر الذي ذهب إليه الحسنُ البصري من أنه أقام بمكة عشرَ سنين؛ ذهب إليه أنس بن مالك وعائشة وسعيدُ بن المُسَيِّب وعمرو بن دينار فيما رواه ابن جرير عنهم، وهو روايةٌ عن ابن عباس رواها أحمدُ بن حنبل (٣) عن يحيى بن سعيد، عن هشام، عن عكرمة عن ابن عباس، قال: أُنزل على النبيِّ وهو ابنُ ثلاثٍ وأربعين، فمكث بمكة عشرًا.

وقد قدمنا عن الشعبي أنه قال (٤): قُرن إسرافيل برسولِ اللَّه ثلاث سنين يُلقي إليه الكلمة والشيء - وفي رواية يسمع حسَّه ولا يرى شخصَه، ثم كان بعد ذلك جبريل. وقد حكى الواقدي عن بعض مشايخه أنه أنكر قول الشعبي هذا، وحاول ابن جرير أن يجمع بين قول من قال إنه أقام بمكة عشرًا، وقول من قال ثلاث عشرة بهذا الذي ذكره الشعبي. واللَّه أعلم.

[فصل]

ولما حلَّ الرِّكابُ النبويُّ بالمدينة، وكان أولَ نزوله بها في دار بني عمرو بن عوف، وهي قُبَاء كما تقدم فأقام بها -أكثر ما قيل- ثنتين وعشرين ليلة، وقيل ثماني عشرة ليلة. وقيل بضع عشرة ليلة. وقال موسى بن عقبة: ثلاث ليال.

والأشهر ما ذكره ابنُ إسحاق (٥) وغيرُه، أنه أقام فيهم بقُباء من يوم الإثنين إلى يوم الجمعة، وقد أسَّس في هذه المُدَّة المختلف في مقدارها -على ما ذكرناه- مسجدَ قباء. [وقد ادَّعى السُّهَيلي أنَّ رسولَ اللَّه أسَّسه في أولِ يومٍ قدم إلى قُباء، وحمل على ذلك قوله تعالى: ﴿لَمَسْجِدٌ


(١) في تاريخه (٢/ ٣٨٦).
(٢) في تاريخه (٢/ ٣٨٧).
(٣) في مسنده (١/ ٢٢٨) رقم (٢٠١٧) وهو حديث صحيح.
(٤) مضى الخبر.
(٥) في سيرة ابن هشام (١/ ٤٩٤).