للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا شكَّ أنَّ هذا الذي قاله الإمامُ مالك مناسب، ولكن العمل على خلافه، وذلك لأن أولَ شهورِ العرب المحرَّم، فجعلوا السنةَ الأولى سنة الهجرة. وجعلوا أولها المحرَّم كما هو المعروف لئلا يختلط النظام. واللَّه أعلم.

فنقول وباللَّه المستعان: استهلت سنة الهجرة المباركة ورسولُ اللَّه مقيمٌ بمكة، وقد بايع الأنصار بيعة العقبة الثانية كما قدَّمنا في أوسط أيام التشريق، وهي ليلةُ الثاني عشر من ذي الحجَّة قبل سنة الهجرة، ثم رجع الأنصار وأذن رسولُ اللَّه للمسلمينَ في الهجرة إلى المدينة، فهاجر مَنْ هاجر من أصحابه إلى المدينة حتى لم يبق بمكةَ مَنْ يمكنه الخروج إلا رسولُ اللَّه ، وحبَس أبو بكرٍ نفسَه على رسولِ اللَّه ليصحبَه في الطريق كما قدَّمنا، ثم خرجا على الوَجْه الذي تقدَّم بسطُه، وتأخر عليُّ بن أبي طالب بعد النبيِّ بأمرِه ليؤدِّي ما كان عنده من الودائع ثم لحقهم بقُباء (١). فقدِم رسولُ اللَّه يوم الإثنين قريبًا من الزَّوال وقد اشتدَّ الضَّحَاءُ (٢).

قال الواقدي وغيرُه: وذلك لليلتَيْن خَلَتا من شهر ربيع الأول.

وحكاه ابنُ إسحاق إلا أنه لم يعرِّج عليه، ورجَّح أنه لثنتي عشرةَ ليلةً خلَتْ منه، وهذا هو المشهور الذي عليه الجمهور.

وقد كانت مدةُ إقامته بمكة بعد البِعْثة ثلاثَ عشرةَ سنةً في أصحِّ الأقوال، وهو روايةُ حماد بن سلمة عن أبي جَمْرَة الضُّبَعي (٣) عن ابن عباس، قال: بُعث رسولُ اللَّه لأربعين سنة، وأقام بمكة ثلاث عشرة سنة.

وهكذا روى ابنُ جرير (٤) عن محمد بن مَعْمَر، عن رَوْح بن عبادة، عن زكريا بن إسحاق، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس أنه قال: مكث رسولُ اللَّه بمكة ثلاثَ عشرةَ.

وتقدَّم أنَّ ابن عباس كتب أبياتَ صِرْمَة بن أبي أنس بن قيس (٥): [من الطويل]

ثَوَى في قريشٍ بضعَ عشرةَ حِجَّةً … يذكِّرُ لو يَلْقَى صديقًا مُوَاتيا


(١) في ح: ثم يلحق به.
(٢) "الضحاء": قريبًا من نصف النهار، وأما الضَّحْوَة فهو ارتفاع أول النهار، والضُّحى بالضم والقصر: فوقه. النهاية (٣/ ٧٦).
(٣) في ح، ط: عن أبي حمزة الضبي. وهو تصحيف، والمثبت من تهذيب الكمال في ترجمة حماد (٧/ ٢٥٦) والتبصير لابن حجر (١/ ٤٥٤) وأبو جمرة هو نصر بن عمران. وقد أخرج هذه الرواية الطبري في تاريخه (٢/ ٣٨٤) عن محمد بن خلف عن آدم عن حماد به.
(٤) في تاريخه (٢/ ٣٨٥).
(٥) مضت الأبيات ص (٤٧٥).