للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقال عمر: حسنٌ، فأرِّخوا. فقالوا: من أيِّ السنينَ نبدأ؟ فقالوا: من مبعثه. وقالوا: من وفاته، ثم أجمعوا على الهجرة، ثم قالوا: وأيُّ الشهور نبدأ؟ قالوا: رمضان، ثم قالوا: المحرم فهو مَصْرَف الناسِ من حجِّهم، وهو شهرٌ حرام. فاجتمعوا على المحرَّم.

وقال ابن جرير (١): حدَّثنا قتيبة، حدثنا نوح بن قيس الطَّاحي (٢)، عن عثمان بن مِحْصَن، أنَّ ابنَ عباس كان يقول في قوله تعالى: ﴿وَالْفَجْرِ (١) وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾ [الفجر: ١ - ٢] هو المحرَّم فجر السنة.

ورُوي عن عبيد بن عُمير (٣)، قال: إنَّ المحرَّم شهرُ اللَّه، وهو رأسُ السنة يُكسى البيت، ويؤرِّخ به الناس، ويُضرب فيه الوَرِق.

وقال أحمد (٤): حدَّثنا روح بن عبادة، حدثنا زكريا بن إسحاق، عن عمرو بن دينار قال: إنَّ أولَ مَنْ ورَّخ الكتب يعلى بن أمية باليمن، وأنَّ رسولَ اللَّه قدِم المدينة في ربيع الأول، وأنَّ الناس أرَّخوا لأول السنة.

وروى محمد بن إسحاق (٥) عن الزُّهري، وعن محمد بن صالح عن الشعبي، أنهما قالا: أرَّخ بنو إسماعيل من نار إبراهيم، ثم أرخوا من بنيان إبراهيم وإسماعيل البيت، ثم أرخوا من موت كعب بن لؤي. ثم أرخوا من الفيل، ثم أرَّخ عمر بن الخطاب من الهجرة وذلك سنة سبع عشرة -أو ثماني عشرة- وقد ذكرنا هذا الفصل محرَّرًا بأسانيده وطُرقه في السيرة العُمَريَّة (٦) وللَّه الحمد، والمقصود أنهم جعلوا ابتداء التاريخ الإسلامي من سنة الهجرة، وجعلوا أولها من المحرَّم فيما اشتهر عنهم، وهذا قول جمهور الأئمة.

وحكى السُّهيليُّ وغيره عن الإمام مالك أنه قال: أول السنة الإسلامية ربيع الأول لأنه الشهر الذي هاجر فيه رسولُ اللَّه .

[وقد استدلَّ السُّهيلي على ذلك في موضع آخر بقوله تعالى: ﴿لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ﴾ [التوبة: ١٠٨] أي من أولِ حُلولِ النبيِّ المدينة، وهو أولُ يومٍ من التاريخ كما اتفق الصحابةُ على أولِ سني التاريخ عام الهجرة] (٧).


(١) لم أجد هذا الخبر في تفسير الطبري وهو في تاريخه (٢/ ٣٩٠) وجاء في الدر المنثور للسيوطي (٨/ ٤٩٨) في تفسير الآية: وأخرج سعيد بن منصور والبيهقي في الشعب وابن عساكر عن ابن عباس في قوله ﴿وَالْفَجْرِ﴾ قال: هو المحرم أول فجر السنة.
(٢) في ط: الطائي، وهو تصحيف، والمثبت من ح والمؤتلف والمختلف للدارقطني (٣/ ١٤٩٢) وتاريخ الطبري.
(٣) هذه الرواية في تاريخ الطبري أيضًا (٢/ ٣٩٠) بنحوه.
(٤) هذه الرواية أيضًا أخرجها الطبري (٢/ ٣٩٠) عن أحمد بن ثابت الرازي عن أحمد به، ولم أجدها في مسند أحمد.
(٥) أخرجه الطبري عن علي بن مجاهد عن محمد بن إسحاق به بأتم ما هنا.
(٦) هذه الرواية في تاريخ الطبري أيضًا (٢/ ٣٩٠) بنحوه.
(٧) استدلال السهيلي هذا في الروض (٢/ ٢٤٦).