للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحدُهم، وهو قيسٌ على سور الحصن فنادى بشعارهم. فاجتمع المسلمون والكافرون حول الحصن، فنادى قيسٌ ويقال: وبر بن يحنس، الأذان: أشهد أن محمدًا رسول الله، وأن عبهلة كذاب، وألقى إليهم رأسه فانهزم أصحابُه وتبعهم الناسُ يأخذونهم ويرصدونهم في كلّ طريقٍ يأسرونهم، وظهر الإسلام وأهلُه، وتراجعَ نواب رسول الله إلى أعمالهم وتنازعَ أولئك الثلاثةُ في الإمارة، ثم اتَّفقوا على معاذِ بن جَبَلٍ يصلّي بالناس، وكتبوا بالخبر إلى رسولِ الله ، وقد أطلعَه الله على الخبر من ليلتِه، كما قال سيف بن عمر التميمي (١) عن أبي القاسم الشنوي، عن إلعلاء بن زياد (٢) عن ابن عمر: أتى الخبرُ إلى النبي من السماء الليلةَ التي قُتل فيه العنسي ليبشّرنا، فقال: قُتل العنسيُّ البارحةَ، قتله رجلٌ مباركٌ من أهل بيتٍ مباركين، قيل: ومنْ؟ قال: فيروزُ فيروزُ.

وقد قيل: إنَّ مدةَ مُلكه منذ ظهر إلى أن قتل ثلاثة أشهر، ويقال: أربعة أشهر، فالله أعلم.

وقال سيفُ بن عمر (٣): عن المُسْتَنير، عن عروة، عن الضحّاك، عن فيروز، قال:

قتلنا الأسودَ، وعاد أمرُنا في صنعاء كما كان إلا أنّا أرسلنا إلى معاذ بن جبل فتراضَيْنا عليه، فكان يُصلّي بنا في صنعاء، فوالله ما صلّى بنا إلا ثلاثةَ أيام حتى أتانا الخبرُ بوفاةِ رسولِ الله ، فانتقضت الأمور، وأنكرنا كثيرًا مما كنا نعرفُ، واضطربتِ الأرض.

وقد قدمنا أن خبرَ العنسي جاء إلى الصّدّيق في أواخر ربيع الأول بعدما جَهَّز جيشَ أسامة، وقيل: بل جاءت البشارةُ إلى المدينة صبيحةَ توفي رسول الله والأول أشهر، والله أعلم.

والمقصود أنه لم يجئهم فيما يتعلق بمصالحهم واجتماع كلمتهم وتأليف ما بينهم والتمسّك بدين الإسلام إلا الصديق ، وسيأتي إرساله إليهم من يمهِّد الأمور التي أضطربت في بلادهم ويقوّي أيدي المسلمين، ويثبّت أركان دعائم الإسلام فيهم، .

فصل في تصدّي الصِّدّيق لِقتالِ أهلِ الرِّدة ومانِعي الزَّكاة

قد تقدَّم أنّ رسولَ الله لمّا توفي ارتدَّت أحياءٌ كثيرةٌ من الأعراب، ونجمَ النّفاق بالمدينة، وانحازَ إلى مُسَيْلمَةَ الكَذَّاب بنوـ حَنيفةَ وخلقٌ كثيرٌ باليمامة، والتفَّت على طُلَيحة الأسدي بنو أَسَدٍ وطيِّء، وبشرٌ كثيرٌ أيضًا، وإدَّعى النبوَّة أيضًا، كما إدّعاها مُسَيْلمةُ الكَذَّاب، وعظمَ الخَطْبُ واشتدّتِ الحالُ، ونفذَ الصِّدّيق جيشَ أَسامةَ، فقلَّ الجندُ عند الصّدّيق فطمعت كثيرٌ من الأعراب في المدينة وراموا أن يهجموا


(١) تاريخ الطبري (٣/ ٢٣٦).
(٢) في ط: زيد؛ تحريف، والتصحيح من الطبري وسير أعلام النبلاء (٤/ ٢٠٢).
(٣) تاريخ الطبري (٣/ ٢٣٦) والخبر أيضًا في الكامل لابن الأثير (٢/ ٣٤١).