للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العذاب، ولكنْ حَقّ القولُ مِنِّي لمن كَذَّب رُسُلي، وعَصَى أمري، لأمْلأنَّ جهنَّم منهم أجمعين، ويا آدم، اعلم أني لا أُعذّب بالنار أحدًا من ذُرِّيَّتك وأدخل النار أحدًا منهم إِلَّا من قد عَلِمْتُ في علمي أنه لو رددتُه إلى الدُّنيا لعادَ إلى شز مما كان عليه، ولم يرجع، ويا آدم، أنت اليومَ عَدْلٌ بَيْني وبين ذُرِّيَّتك، قم عند الميزان، فانظر ما يَرْجِعُ إليكَ من أعمالهم، فمن رَجَحَ خيرُه على شرِّه مِثْقَال ذرَّةٍ فله الْجنَّة، حتَّى تَعْلمَ أَنِّي لا أُعذِّب إلَّا كلّ ظالم (١).

وقال ابن أبي الدنيا: حدَّثنا محمد بن يوسف بن الصبَّاح، حدَّثنا عبد اللَّه بن وَهْب، عن معاوية بن صالح، عن أبي عبد الرحمن، عن أبي أُمامة: أنَّ رسول اللَّه قال: "إذا كان يومُ القيامة قامت ثُلَّة من الناس، يَسُدُّون الأفق، نورُهم كنور الشمس، فيقال: لمن هذه؟ فيقال: للنبي الأمي، فيتحسَّس لها أُمَّةُ كلِّ نبيّ، فيقال: هذا محمد وأُمَّته، ثم تقوم ثُلَّة أخرى تَسُدّ ما بين الأفق، نورهم كنور القمر ليلة البَدْر، فيقال: للنبيّ الأُمّي، فيتحسَّس لها كل نبيّ، فيقال: محمَّد وأُمَّته. ثم تقوم ثُلَّةٌ أخرى، نورهم مثلُ كُلِّ كوكب في السماء، فيقال: للنبيّ الأُمِّيّ، فيتحسَّس لها كلُّ نبيّ، فيقال: محمد وأُمَّته، ثم يَجيءُ الربُّ تعالى، فيقول: هذا لكَ منِّي يا محمد، وهذا لك منِّي يا محمد، ثم يوضعُ الميزانُ، ويُؤخذُ في الحساب" (٢).

[فصل]

وقد نقل الطبري عن بعضهم: أنَّ الميزان له كِفَّتان عَظِيمتانِ، لو وضعت السماواتُ والأرضُ في كلِّ واحدةٍ منهما لَوَسِعَتْها، فأمَّا كِفَّةُ الْحَسَناتِ فنور، وأَمَّا الأُخرى فظُلْمةٌ، وهو منصوب بَيْن يدي العَرْش، وعن يمينه الْجنَّةُ، وكِفَّةُ [النور] من ناحيتها، وعن يساره جَهَنَّمُ، وكِفَّةُ الظلمة من ناحيتها، قال: وقد أنكرت المُعْتزلةُ الميزانَ، وقالوا: الأعمال أعراض، لا جِرم لها، فكيف تُوزن؟ قال: وقد رُوي عن ابن عبَّاس: أنَّ اللَّه يَخْلُق الأعراض أجسامًا، فتوزنُ، قال: والصحيح أنّه توزنُ كُتُبُ الأعمال. قلت: فد تقدَّم ما يَدُلّ على الأوَّل، وعلى الثاني، وعلى أن العامل نفسه يُوزنُ مع عمله. قال القرطبيّ: وقد رُوي عن مجاهد، والضَّحَّاك، والأعمش: أنَّ الميزان هُنا بمعنى العَدْل، والقضاء، وذِكْرُ الوزن والميزان ضَرْب مثل كما يُقال: هذا الكلام في وزن هذا. قلت: لعلَّ هؤلاء إنّما فسروا هذا عند قوله تعالى: ﴿وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (٧) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (٨) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (٩)[الرحمن: ٧ - ٩]، فهاهنا المراد بالميزان أنه تعالى وضع العدل بين عباده، وأمر عبادَه، أنْ يَتعاملُوا به فيما بينهم، فأما الميزانُ الموضوع يوم القيامة، فقد تواترت بذكره


(١) وإسناده ضعيف.
(٢) وأخرجه الطَّبراني في الكبير (٧٧٨٠) من طريق ابن وهب.

<<  <  ج: ص:  >  >>