للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَجيءُ بَعْدَما نَزلَ النّاسُ مَنَازِلَهُمْ، وأخذُوا أخَذَاتِهِمْ، فيقال له: ادْخُل الْجنَّةَ، فيقول: يا رَبِّ، وكَيْفَ أدْخُلُها وقدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ، وأخذُوا أخَذَاتِهمْ؟ فيقولُ: أمَا تَرْضَى أنْ يَكُونَ لكَ مِثْلُ ما كانَ لِمَلِكٍ منْ مُلُوكِ الدُّنْيا؟ فيقولُ: رضيت ربِّ، فيقول: إنَّ لَكَ مِثْلَهُ وَمِثْلَهُ، وعقد سفيان أصَابعَهُ الخَمْسَ، فيقولُ: رَضيتُ رَبِّ، فيقولُ: فإنَّ هَذَا لَكَ ومَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ، وَلَذَّتْ عَيْنُكَ، فيقولُ: رَضيتُ رَبِّ، قالَ موسى: يا رَبِّ، فأخْبرني عن أعْلَى أهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزلةً، قال: نعم، أولَئِكَ الَّذينَ أرَدْتُ، وَسَأُخْبِرُكَ عَنْهُمْ، غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدي، وَخَتَمْتُ عَلَيْها، فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ على قَلْب بَشَرٍ، وَمِصْداقُ ذلك في كتابِ اللّهِ ﷿: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة: ١٧] (١).

وثبت في " الصحيحين "، واللفظ لمسلم، من حديث الأعْرَج، عن أبي هُريرة، عن النَّبيِّ قال: " قال اللّهُ ﷿: أعْدَدْتُ لِعِبَادي الصَّالحينَ ما لا عَيْنٌ رَأَتْ، ولا أُذُنٌ سَمِعَت، ولا خَطَرَ على قَلْبِ بَشَرٍ، مِصْدَاقُ ذَلِكَ في كتابِ الله تَعَالى: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة: ١٧] (٢).

وقال الإمامُ أحْمَدُ: حدَّثنا هارون بنُ مَعْرُوفٍ، حدَّثنا ابنُ وَهْبٍ، حدّثني أبو صَخْرٍ (٣): أنَّ أبا حَازِمٍ حَدَّثَهُ، قال: سَمِعْتُ سَهْلَ بن سَعْدٍ يَقُولُ: شَهِدْتُ منْ رسولِ اللّهِ مَجْلسًا وَصَفَ فيهِ الْجَنَةَ، حَتَّى انْتَهَى، ثمَّ قالَ في آخِرِ حَدِيثِهِ: " فيها مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَرَ على قَلْبِ بشَر "، ثم قرأ هذه الآية: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (١٦) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة: ١٦ و ١٧]. ورواه مسلم عَنْ هارون بن مَعْرُوفٍ (٤).

ذكر غرف الجنَّة، وارتفاعها، وعظمها نسأل الله من فضله المبسوط على خلقه في الدنيا والآخرة

قال الله تعالى: ﴿لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ﴾ [الزمر: ٢٠]. وقال تعالى: ﴿وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ﴾ [سبأ: ٣٧]. وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ


(١) رواه مسلم رقم (١٨٩) والطبراني في " الكبير " (٢٠/ ٩٨٩).
(٢) رواه البخاري (٣٢٤٤) و (٤٧٧٩) ومسلم رقم (٢٨٢٤).
(٣) في الأصول: ابن صخر، وهو خطأ.
(٤) رواه أحمد في المسند (٥/ ٣٣٤) ومسلم رقم (٢٨٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>