للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هاهنا ركبٌ قد قَصَّر بهم الليلُ، انطلقْ بنا إليهم، فأتيناهم فإذا امرأةٌ معها صبيانٌ لها وقِدْرٌ منصوبةٌ على النار وصبيانها يتضاغَوْن، فقال عمر: السلام عليكم يا أصحاب الضَّوْء، قالث: وعليكَ السلامُ. قال: أأدنو؟ قالت: ادن [بخيرٍ] أو دَعْ. فدنا فقال: ما بالُكم؟ قالت: قصَّرَ بنا الليلُ والبردُ. قال: فما بال هؤلاء الصبية يَتَضَاغَوْن؟) (١) قالت: من الجوع. فقال: وأي شيءٍ على النار؟ قالت: ماء أعللهم به حتى يناموا، الله بيننا وبين عمر. فبكى عمر، ورجع يُهرول إلى دار الدّقيق، فأخرج عِدْلًا من دقيقٍ وجرابَ شحمٍ، وقال: يا أسلم احمله على ظهري، فقلتُ: أنا أحملُه عنك. فقال: أنتَ تحملُ وزري يومَ القيامة؟ فحملته (٢) على ظهره وانطلقنا إلى المرأة (٣) فألقى عن ظهره وأخرجَ من الدقيق في القدر، وألقى عليه من الشَّحم، وجعل ينفخُ تحت القدر والدخان يَتَخَلَّل لحيتَه ساعةً، ثم أنزلها عن النار وقال: إيتيني بصَحْفة. فأُتي بها فغرفها (٤) ثم تركها بين يدي الصِّبيان وقال: كُلُوا، فأكلوا حتى شبعوا -والمرأةُ تدعو له وهي لا تعرفُه- فلم يزل عندهم حتى نام الصغار (٥)، ثم أوصلهم بنفقةٍ وانصرفَ، (ثم أقبلَ عَلَيَّ) فقال: يا أسلم، الجوعُ الذي أسهرهم وأبكاهم.

وقيل: إنَّ عليَّ بن أبي طالب رأى عمر وهو يعدو إلى ظاهر المدينة فقال له: إلى أين يا أميرَ المؤمنين؟ فقال: قد ندَّ بعيرٌ من إبل الصَّدَقة فأنا أطلبه. فقال: قد أتعبتَ الخلفاءَ من بعدك.

وقيل: إنَّه رأى جارية تتمايل من الجوع فقال: مَنْ هذه؟ فقالت ابنة عبد الله: هذه ابنتي. قال: فما بالُها؟ فقالت إنك تحبس عنَّا ما في يدك فيصيبنا ما ترى. فقال: يا عبدَ الله، بيني وبينكم كتابُ الله، والله ما أعطيكم إلَّا ما فرضَ الله لكم، أتريدون مني أن أُعطيَكم ما ليس لكم؟ فأعود خائنًا؟ رُوي ذلك عن الزهري.

[[تسمية عمر أمير المؤمنين]]

وقال الواقدي (٦): حدَّثنا أبو حَزْرَة (٧) يعقوب بن مجاهد، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي عمرو قال: قلت لعائشة: من سمَّى عمرَ الفاروقَ (أميرَ المؤمنين) قالت: النبي قال: "أمير المؤمنين هو" (٨).


(١) ما بين قوسين ساقط من أ.
(٢) في أ: فحمله.
(٣) في أ: الامرأة.
(٤) في أ: ثم غرفها.
(٥) في أ: حتى ناموا الصغار وهي لغة مفضولة.
(٦) الخبر في طبقات ابن سعد (٣/ ٣٧٢).
(٧) في ط: أبو حمزة؛ خطأ. ترجمته في تقريب التهذيب رقم (٦٠٨) ونزهة الألباب في الألقاب رقم (٢٩٨٢).
(٨) في سنده الواقدي، وهو متروك عند المحدثين.