للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأبي ذر، وقد رجَّحه البيهقيُّ بحديث أبي عُبيدة المُتقدِّم، قال: ويُشبه أن يكونَ هذا الرجلُ هو يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، والله أعلم.

قلت: النَّاسُ في يزيد بن معاويةَ أقسامٌ: فمنهم من يُحبُّه ويتولاه، وهم طائفةٌ من أهل الشَّام، مِنَ النَّواصِب، وأما الرَّوافضُ فيُشَنِّعون عليه، ويفترونَ عليه أشياء كثيرة ليست فيه، ويتهمه كثيرٌ منهم أو أكثرهم بالزندقة، ولم يكنْ كذلك، وطائفةٌ أخرى لا يُحِثونه ولا يَسبُّونه، لما يَعلمونَ من أنه لم يكن زنديقًا كما تقولُه الرافضةُ، ولِما وقع في زمانِه من الحَوادثِ الفظيعة، والأمور المُستَنْكَرة البَشِعةِ الشَّنيعةِ، فمِنْ أَنْكَرِها قتلُ الحُسين بن علي بكَرْبلَاءَ، ولكن لم يكن ذلك عن علم منه، ولعلَّه لم يرضَ به ولم يَسُؤهُ، وذلكَ من الأمور المُنكرة جِدًّا، ووقعةُ الحَرَّة، وكانت من الأمور القبيحة بالمدينة النَّبَوِيَّة على ما سنُورده إذا انتهينا إليه في التاريخ إن شاء الله تعالى.

الإخبار بمقتل الحُسين بن عليٍّ

وقد ورد الحديث في مقتل الحُسين، فقال الإمام أحمد: حدَّثنا عبدُ الصمد بن حسَّان، حدَّثنا عمارةُ - يعني ابن زاذان - عن ثابت، عن أنس، قال: استأذنَ مَلَكُ القَطْرِ أن يأتيَ النبيَّ ، فأذنَ له، فقالَ لأُمِّ سلمةَ: "احفظِي علينا البابَ لا يدخل علينا أحدٌ" فجاءَ الحُسينُ بن عليٍّ، فوثبَ حتَّى دخلَ، فجعلَ يصعدُ على مِنْكَبِ النبي ، فقال له المَلَكُ: أتحبُّه؟ فقال النبي : "نعم" قال: فإنَّ أُمَّتَكَ تَقْتُلُهُ، وإن شئتَ أريتُكَ المكانَ الذي يُقتلُ فيه، قال: فضربَ بيدِه فأراهُ تُرابًا أحمرَ. فأخذت أُمُّ سلمةَ ذلك الترابَ فَصَرَّته في طَرفِ ثوبها، قال: وكنا نسمعُ [أنه] يُقتلُ بكربلاء (١).

ورواه البيهقيُّ من حديث بشر بن موسى، عن عبد الصمد، عن عمارة (٢) .. فذكرَه. ثم قال: وكذلك رواه شيبانُ بن فَرُّوخ، عن عُمارة (٣).

وعمارة بن زاذان هذا هو الصَّيْدلانيُّ، أبو سلمةَ البصريُّ، اختلفوا فيه. وقد قال فيه أبو حاتم (٤):

يُكتب حديثه ولا يُحْتَجُّ به، ليس بالمتين. وضغَفه أحمدُ مرَّةً ووثَّقه أخرى (٥). وحديثُه هذا قد رُوي عن غيره من وجه آخر.


(١) رواه الإمام أحمد في المسند (٣/ ٢٦٥) رقم (١٣٧٢٩) وابن حبان رقم (٢٢٤٢) موارد.
(٢) رواه البيهقي في الدلائل (٦/ ٤٦٩) وهو حسن.
(٣) المصدر السابق (٦/ ٤٦٩).
(٤) الجرح والتعديل (٦/ الترجمة ٢٠١٦).
(٥) ولكن قال الإمام أحمد: يروي عن أنس أحاديث مناكير، كما في الجرح والتعديل (٦/ الترجمة ٢٠١٦) وتهذيب الكمال (٢١/ ٢٤٥) فهذا منها.