للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل في عَرْض رسول الله نفسَة الكريمة على أحياء العرب في مواسم الحج أن يؤوه وينصروه، ويمنعوه ممن خالفه وكذَّبه، فلم يجبه أحد منهم لما ذخره الله للأنصار من الكرامة العظيمة

قال ابنُ إسحاق (١): ثم قدم رسولُ الله مكة وقومُه أشدُّ ما كانوا عليه من خِلافه وفراقِ دينه، إلا قليلًا مستضعفين ممن آمن به، فكان رسولُ الله يعرضُ نفسه في المواسم - إذا كانت - على قبائل العرب، يدعوهم إلى الله ﷿، ويُخبرهم أنه نبيٌّ مُرْسَل، ويسألهم أنْ يصدِّقوه ويمنعوه حتى يبيِّنَ عن الله ما بعثَهُ به.

قال ابن إسحاق (٢): فحدَّثني من أصحابنا من لا أتَّهم، عن زيد بن أسلم، عن ربيعة بن عباد الدُّؤَلي - ومن حدَّثه أبو الزناد عنه - وحدَّثني حُسين بن عبد الله بن عُبيد الله بن عباس قال: سمعتُ ربيعة بن عبَّاد يحدِّثه أبِي، قال: إني لغلامٌ شابٌّ مع أبي بمنى، ورسولُ الله يقفُ على منازلِ القبائل من العرب فيقول: "يا بني فلان، إني رسولُ الله إليكم، أمرَكم أن تعبدوا اللهَ ولا تُشْرِكوا به شيئًا، وأنْ تَخْلَعُوا ما تعبدون من دونه من هذه الأنْداد، وأن تؤمنوا بي وتصدِّقوا بي، وتمنعوني حتى أُبَيِّنَ عن الله ما بعثني به". قال: وخلفَهُ رجلٌ أحول وَضِيء له غَدِيرتان، عليه حُلَّةٌ عَدَنيَّة، فإذا فرغ رسولُ الله من قوله وما دعا إليه. قال ذلك الرجل: يا بني فلان، إنَّ هذا إنما يدعوكم إلى أنْ تسلخوا اللاتَ والعُزَّى من أعناقكم، وحلفاءكم من الجِنّ من بني مالك بن أُقَيْش، إلى ما جاء به من البِدْعَةِ والضَّلالة، فلا تطيعوه ولا تسمعوا منه. قال: فقلت لأبي: يا أبتِ، من هذا الرجلُ الذي يتبعه ويردُّ عليه ما يقول؟ قال: هذا عمُّه عبد العُزَّى بن عبد المطلب أبو لهب.

وقد روى الإمام أحمد (٣) هذا الحديث عن إبراهيم بن أبي العباس، حدَّثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، أخبرني رجلٌ يقال له: ربيعة بن عبَّاد، من بني الدِّيل - وكان جاهليًا فأسلم (٤) - قال: رأيتُ رسولَ الله في الجاهلية، في سوق ذي المجاز وهو يقول: "يا أيُّها الناس، قولوا لا إله إلا الله تُفْلِحوا" والناسُ مجتمعونَ عليه، ووراءهُ رجلٌ وَضِيءُ الوجه أحول، ذو غَدِيرتين يقول: إنَّه صابئ كاذب - يتبعه حيثُ ذهب - فسألتُ عنه (٥) فقالوا: هذا عمُّه أبو لهب.


(١) في سيرة ابن هشام (١/ ٤٢٢) والروض (٢/ ١٧٣).
(٢) في سيرة ابن هشام (١/ ٤٢٢) والروض (٢/ ١٧٣).
(٣) في مسنده (٤/ ٣٤١).
(٤) قوله: فأسلم. ليس في مسند أحمد.
(٥) زاد مسند أحمد هنا قوله: فذكروا لي نسب رسول الله .