"البداية والنهاية" كتاب تاريخيّ، عالمي وإسلامي، يؤرخ لمبدأ الخلق، وللأنبياء والرسل، وللسيرة النبوية، وحوادث الحياة الإسلامية إلى عام ٧٧٤ هـ ووصل منه إلينا إلى سنة ٦٦٨ هـ، وخاتمته ذكرُ الساعة وعلاماتها، وأحوال الآخرة وأهوالها.
وهذه العالمية والشمولية في التاريخ الإسلامي إنما نزل بها القرآن الكريم، ووجَّهت إليها السنة النبوية، ممثلة في وحدة النبوات وتنزل الرسالات بالدين الحق، وهو الاستسلام والانقياد للَّه الواحد الأحد، الفرد الصمد، قال اللَّه تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ [آل عمران: ١٩].
كما أنَّ القرآن عرض لمصير العرب العاربة الذين أشركوا باللَّه تعالى، وأكثروا في الأرض الفساد، فعاقبهم اللَّه في الدنيا قبل الآخرة، وجعل مصيرهم وبلادهم عبرة لأولي البصائر والألباب.
وأشار القرآن الكريم، إلى حروب الفرس والروم، وعرّف بالحياة العربية وما فيها من شرك وجاهلية، وسجَّل حوادث السيرة النبوية، ووصف بدقة متناهية المواقف النبوية بمشاعرها الصادقة وعواطفها الدافقة.
وإذا كان لا بد لكل أمة من تاريخ تعتز به وتفتخر، وتأخذ من خلاله الدروس والحبر، والقدوة الحسنة؛ فإن القرآن الكريم رسم للأمة المسلمة معالم تاريخ إنساني كامل وشامل.
وعلم التاريخ بهذا المعنى القرآني فن إسلامي، لا يقوم على الانتقائية، والتفسير المادي والفلسفة البشرية، وإنما يؤرخ للحوادث والوقائع الحقيقية ويعرضها بحياد تام وإنصاف كامل، ويُعرِّف بالأولياء الصالحين، والعلماء العاملين، والحكَّام والسلاطين، وتختلط فيه علوم التفسير والحديث والفقه والاجتماع والأخلاق، والدين والدنيا والآخرة.