للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل في غزوة بني قُريظة (١)

وما أحلَّ الله تعالى بهم من البأس الشديد، مع ما ادخر (٢) الله لهم في الآخرة من العذاب الأليم، وذلك لكفرهم ونقضهم العهود والمواثيق (٣) التي كانت بينهم وبين رسول الله ، وممالأتهم الأحزاب عليه، فما أجدى ذلك عنهم شيئًا، وباؤوا بغضب من الله ورسوله، والصفقة الخاسرة في الدنيا والآخرة، وقد قال الله تعالى: ﴿وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا (٢٥) وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (٢٦) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا﴾ [الأحزاب:٢٥ - ٢٧].

قال البخاري (٤): ثنا محمد بن مقاتل، ثنا عبد الله، ثنا موسى بن عقبة، عن سالم ونافع، عن عبد الله أن رسول الله كان إذا قفل من الغزو والحج والعمرة، يبدأ فيكبِّر ثم يقول: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، آيبون تائبون عابدون ساجدون، لربِّنا حامدون؛ صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده".

وقال محمد بن إسحاق (٥)، : ولما أصبح رسول الله انصرف عن الخندق راجعًا إلى المدينة والمسلمون، ووضعوا السلاح، فلما كانت الظهر أتى جبريلُ رسول الله ، كما حدثني الزهري، معتجرًا بعمامة من إستبرق، على بغلة عليها رِحَالةٌ، عليها قطيفة من ديباج، فقال: أوَقد وضعتَ السلاح يا رسول الله؟ قال: "نعم". فقال جبريل: ما وضعتِ الملائكة السلاح بعدُ، وما رجعت الآن إلا من طلب القوم، إن الله يأمرك يا محمد بالمسير إلى بني قريظة، فإي عامد إليهم فمزلزل بهم. فأمر رسول الله مؤذِّنًا فأذن [في] الناس: من كان سامعًا مطيعًا فلا يصلِّين العصر إلا في بني قُريظة.

قال ابن هشام (٦): واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم.


(١) انظر خبرها في "عيون الأثر" (٢/ ١٠٣)، و "زاد المعاد" (٣/ ١١٧)، و "الفصول في سيرة الرسول" ص (١٧١)، و"شذرات الذهب" (١/ ١٢٢) بتحقيقى.
(٢) في (ط): "مع ما أعدّ".
(٣) لفظ "والمواثيق" انفردت به (آ).
(٤) رواه البخاري رقم (٤١١٦).
(٥) انظر "السيرة النبوية " لابن هشام (٢/ ٢٣٣).
(٦) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٢٣٤).