للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يا أبا محمد، إنا لله وإنا إليه راجعون والله لقد كنت كما قال الشاعر: [من الطويل]

فتىً كانَ يدنيهِ الغنى منْ صديقهِ … إذا ماهو استغنى ويبعدهُ الفقرُ

وأقام علي بظاهر البصرة ثلاثاً ثمَّ صلَّى على القتلى من الفريقين، وخَصَّ قريشاً بصلاة من بينهم، ثم جمع ما وجد لأصحاب عائشة في المعسكر وأمر به أن يحمل إلى مسجد البصرة، فمن عرف شيئاً هو لأهلهم فليأخذه، إلا [أن يكون] سلاحاً كان في الخزائن عليه سمة السلطان.

وكان مجموع من قتل يوم الجمل من الفريقين عشرة آلاف: خمسة من هؤلاء، وخمسة من هؤلاء، ورضي عن الصحابة منهم (١). وقد سأل بعض أصحاب علي علياً أن يقسِّم فيهم [أموالهم يعني] أموال أصحاب طلحة والزبير (فأبى عليهم) فطعن فيه السبئية وقالوا: كيف تحل (٢) لنا دماؤهم ولا تحل لنا أموالهم؟ فبلغ ذلك علياً فقال: أيكم يحب أن تصير أم المؤمنين في سهمه؟ فسكت القومُ، ولهذا لما دخل البصرةَ فضَّ في أصحابه أموالَ بيت المال، فنال كل رجلٍ منهم خمسمئة، وقال: لكم مثلها من الشام [في أعطياتكم]، فتكلم فيه السبئية أيضاً ونالوا منه من وراء وراء.

[فصل]

ولما فرغ علي من أمر الجمل أتاه وجوهُ الناس يسلّمون عليه، فكان ممن جاءه الأحنف بن قيس في بني سعد -وكانوا قد اعتزلوا القتال- فقال له علي: تربصت (٣) - (يعني) بنا- فقال: ما كنتُ أراني إلا قد (٤) أحسنت، وبأمرك كان ما كان يا أمير المؤمنين، فارفق فإن طريقك الذي سلكت بعيد، وأنت إليَّ غداً أحوج منك أمس، فاعرف إحساني، واستبق مودتي لغد، ولا تقل (لي) مثل هذا فإني لم أزل لك ناصحاً.

قالوا: ثم دخل عليٌّ البصرة يوم الإثنين فبايعه أهلُها على راياتهم، حتى الجرحى والمستأمنة (٥). وجاءه عبد الرحمن بن أبي بكرة الثقفي فبايعه فقال له علي: أين المتربص (٦)؟ -يعني أباه- فقال: إنه والله مريض يا أمير المؤمنين، وإنه (٧) على مسرتك لحريص. فقال: امش أمامي، فمضى إليه فعاده، واعتذر إليه أبو بكرة فعذره، وعرض عليه البصرة (فامتنع وقال: رجل من أهلك يسكن إليه الناس،


(١) مكان للفظة في أ: أجمعين.
(٢) في ط: يحل.
(٣) في ط: تربعت؛ تحريف.
(٤) في أ: قد كنت أحسنت.
(٥) في أ: والمستأنية. وما هنا موافق لتاريخ الطبري (٤/ ٥٤١).
(٦) في ط: المريض. وما هنا موافق للطبري (٤/ ٥٤٣).
(٧) في ط "وإن"، ولا معنى لها، وما أثبتناه موافق لما في تاريخ الطبري (٤/ ٥٤٣).